ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسنة أَربع وَعشْرين وَمِائَة: فِيهَا توفّي مُحَمَّد بن مُسلم بن عبيد اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن شهَاب الْقرشِي الزُّهْرِيّ - بِضَم الزَّاي - نِسْبَة إِلَى زهرَة بن كلاب بن مرّة، وعمره ثَلَاث وَسَبْعُونَ، وَهُوَ من أَعْلَام التَّابِعين رأى عشرَة من الصَّحَابَة وروى عَنهُ مَالك وسُفْيَان وَغَيرهمَا، وَكَانَ يضع كتبه حوله مشتغلا بهَا فَقَالَت زَوجته: وَالله لهَذِهِ الْكتب أَشد عَليّ من ثَلَاث ضرائر.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة: فِيهَا توفّي هِشَام بن عبد الْملك بالرصافة لست خلون من ربيع الأول، وخلافته تسع عشرَة سنة وَتِسْعَة أشهر وَكسر، وعمره خمس وَخَمْسُونَ، مرض بالذبحة استعير من الْجِيرَان قمقم لتسخين مَاء غسله، فَإِن عياضا كَاتب الْوَلِيد ختم على موجوده، وَدفن بالرصافة وَهُوَ الَّذِي بناها وسكنها لصحتها هربا من الطَّاعُون، وَكَانَت مَدِينَة رُومِية فخربت حَتَّى بناها هِشَام وَبنى بهَا قَصْرَيْنِ وَبهَا دير مَعْرُوف، وَكَانَ أَحول بَين الْحول حازما عَاقِلا ذَا سياسة، وَله بنُون مِنْهُم مُعَاوِيَة أَبُو عبد الرَّحْمَن دخل الأندلس وملكها لما زَالَ ملك بني أُميَّة.
(أَخْبَار الْوَلِيد بن يزِيد)
وَلما مَاتَ هِشَام بُويِعَ الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك لثلاث خلون من ربيع الأول وَهُوَ حادي عشر خلفائهم، وَكَانَ هُوَ وَأَصْحَابه فِي الْبَريَّة فِي الْأَزْرَق خوفًا من هِشَام فِي ضيق وَسُوء حَال، فَكتب إِلَيْهِ بِمَوْت هِشَام فَحَضَرَ وَولي، وَعَكَفَ على الشّرْب والغناء وَالنِّسَاء، وَزَاد النَّاس فِي إعطائهم عشرات، ثمَّ زَاد أهل الشَّام زِيَادَة بعد العشرات عشرَة أُخْرَى وَلم يقل فِي شَيْء سَأَلَهُ لَا.
وفيهَا توفّي الْقَاسِم بن أبي برة من الْمَشْهُورين بِالْقِرَاءَةِ.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة: فِيهَا سلم الْوَلِيد خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي إِلَى يُوسُف بن عمر عَامله بالعراق فَعَذَّبَهُ وَقَتله.
وفيهَا قتل الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك قَتله يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك الملقب بالناقص فِي جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا بعد أَن ثقل على النَّاس لَهو الْوَلِيد ومجونه وشربه واجتماعه بالفساق حَتَّى رَمَوْهُ بالْكفْر واتهموه بأمهات أَوْلَاد أَبِيه، ودعا يزِيد إِلَى نَفسه، وَنَهَاهُ أَخُوهُ الْعَبَّاس بن الْوَلِيد بن عبد الْملك عَن ذَلِك وتهدده فأخفى الْأَمر عَنهُ.
وَكَانَ يزِيد مُقيما بالبادية لوخم دمشق، فَلَمَّا اجْتمع لَهُ أمره قصد دمشق متخفيا فِي سَبْعَة نفر وَكَانَ بَينه وَبَينهَا مسيرَة أَرْبَعَة أَيَّام وَنزل بجرود على مرحله من دمشق، ثمَّ دخل دمشق لَيْلًا وَقد بَايع لَهُ أَهلهَا، وَكَانَ عَامل الْوَلِيد على دمشق عبد الْملك بن مُحَمَّد بن الْحجَّاج ووبئت دمشق فَنزل بقرية قطنا، فَظهر حِينَئِذٍ يزِيد بِدِمَشْق وَاجْتمعَ عَلَيْهِ الْجند وَغَيرهم، وأحضر عَامل الْوَلِيد من قطن بالأمان، ثمَّ جهز يزِيد جَيْشًا إِلَى الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك مقدمهم عبد الْعَزِيز بن الْحجَّاج بن عبد الْملك.