شرب الْخمر وَصلى بِالْمُسْلِمين الْفجْر أَرْبعا وَهُوَ سَكرَان، ثمَّ الْتفت إِلَى النَّاس وَقَالَ: هَل ازيدكم؟ فَقَالَ ابْن مَسْعُود: مَا زلنا مَعَك فِي زِيَادَة مُنْذُ الْيَوْم. وَفِي ذَلِك يَقُول الحطيئة:
(شهد الحطيئة يَوْم يلقى ربه ... أَن الْوَلِيد أَحَق بالعذر)
(نَادَى وَقد فرغت صلَاتهم ... أأزيدكم سكرا وَمَا يدْرِي)
(فَأَبَوا أَبَا وهب وَلَو أذنوا ... لقرنت بَين الشفع وَالْوتر)
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاثِينَ: فِيهَا بلغ عُثْمَان مَا وَقع فِي أَمر الْقُرْآن وَأَن أهل الْعرَاق يَقُولُونَ: قراءتنا أصح لأَنا قَرَأنَا على أبي مُوسَى، وَأهل الشَّام يَقُولُونَ: قراءتنا أصح لأَنا قَرَأنَا على الْمِقْدَاد، وَكَذَلِكَ غَيرهم. فَحمل النَّاس بِاتِّفَاق الصَّحَابَة على الْمُصحف الَّذِي كتب زمن أبي بكر وأودع عِنْد حَفْصَة رَضِي اللَّهِ عَنْهَا وَنسخ مِنْهُ مصاحف للأمصار تولى نسخهَا بِأَمْر زيد بن ثَابت وَعبد اللَّهِ بن الزبير وَسَعِيد بن الْعَاصِ وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي، وَقَالَ عُثْمَان: إِذا اختلفتم فِي كلمة فاكتبوها بِلِسَان قُرَيْش فَإِنَّمَا نزل الْقُرْآن بلسانهم.
وفيهَا سقط من عُثْمَان خَاتم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ من فضَّة فِيهِ ثَلَاثَة أسطر مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ كَانَ يتختم بِهِ وَيخْتم بِهِ الْكتب إِلَى الْمُلُوك، ثمَّ تختم بِهِ أَبُو بكر، ثمَّ عمر، ثمَّ عُثْمَان إِلَى أَن سقط فِي بِئْر أريس.
قلت: قَالُوا: وَكَانَ أمره صافيا إِلَى سُقُوط الْخَاتم الْمَذْكُور، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ: فِيهَا هلك كسْرَى يزدجرد آخر مُلُوكهمْ قيل: قَتله أهل مرو وَقتل بنيه التّرْك وَقتل أَصْحَابه فهرب هُوَ إِلَى بَيت رجل ينْقل الأرحاء فَقتله ثمَّ قتل.
وفيهَا عَصَتْ خُرَاسَان فَفَتحهَا الْمُسلمُونَ ثَانِيًا.
وفيهَا مَاتَ أَبُو سُفْيَان بن حَرْب.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ: فِيهَا توفّي عبد اللَّهِ بن مَسْعُود بن عَاقل بن حبيب بن شمح من ولد مدركة بن إلْيَاس بن مُضر وَفِي مدركة يجْتَمع مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ أحد الْقُرَّاء عَظِيم فِي الصَّحَابَة وعدة بَعضهم فِي الْعشْرَة الْمَقْطُوع لَهُم بِالْجنَّةِ بدل أبي عُبَيْدَة رَضِي اللَّهِ عَنْهُم.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ: فِيهَا تكلم جمَاعَة بِأَن عُثْمَان ولى جمَاعَة من أهل بَيته لَا يصلحون للولاية، فَكتب سعيد بن الْعَاصِ وَالِي الْكُوفَة إِلَيْهِ بذلك فَأمره عُثْمَان أَن يسير الَّذين تكلمُوا بذلك إِلَى مُعَاوِيَة بِالشَّام، فأرسلهم وَفِيهِمْ الْحَارِث بن مَالك الأشتر النَّخعِيّ وثابت بن قيس النَّخعِيّ وَجَمِيل بن زِيَاد وَزيد بن صوحان الْعَبْدي وَأَخُوهُ صعصة وجندب بن زُهَيْر وَعُرْوَة بن الْجَعْد وَعَمْرو بن الْحمق، فقدموا على مُعَاوِيَة وَجرى بَينهم كَلَام كثير وحذرهم الْفِتْنَة، فَوَثَبُوا وَأخذُوا بلحية مُعَاوِيَة ورأيه فَكتب بذلك إِلَى عُثْمَان، فَكتب إِلَيْهِ عُثْمَان أَن يردهم إِلَى سعيد بن الْعَاصِ فردهم إِلَى سعيد، فأطلقوا ألسنتهم فِي عُثْمَان رَضِي اللَّهِ عَنهُ وَاجْتمعَ إِلَيْهِم أهل الْكُوفَة.