(وأخليت دَار الْملك من كل نَازع ... فشردتهم غربا ومزقتهم شرقا)
(فَلَمَّا بلغت النَّجْم عزا ورفعة ... وَصَارَت رِقَاب الْخلق أجمع لي رقا)
(رماني الردى سَهْما فأخمد جمرتي ... فها أَنا ذَا فِي حفرتي عَاجلا ألْقى
قلت: وَقد ذكرت بِهَذَا بَيْتَيْنِ رأيتهما مكتوبين على قبر بهلوان حسان صَاحب منبج بمنبج وهما:
(لقد غفلت صروف الدَّهْر عني ... وَبت من الْحَوَادِث فِي أَمَان)
(وكدت أنال فِي الشّرف الثريا ... وَهَا أَنا فِي التُّرَاب كَمَا تراني)
وَالله أعلم.
وَكَانَ المعتضد شهما مهيبا عِنْد أَصْحَابه يكفون عَن الْمَظَالِم خوفًا مِنْهُ وَكَانَ عفيفا وَفِيه شح، حكى القَاضِي ابْن إِسْحَاق قَالَ: أطلت النّظر إِلَى أَحْدَاث روم صباح الْوُجُوه على رَأس المعتضد، فَلَمَّا قُمْت أَمرنِي بالقعود فَجَلَست، فَلَمَّا تفرق النَّاس قَالَ: يَا قَاضِي وَالله مَا حللت سراويلي على حرَام قطّ.
(أَخْبَار المكتفي بن المعتضد)
وَلما توفّي المعتضد بُويِعَ للمكتفي ابْنه وَهُوَ سَابِع عشرهم، وَكَانَ بالرقة وبلغه الْخَبَر، أَخذ الْبيعَة على من عِنْده أَيْضا وَدخل بَغْدَاد لثمان خلون من جمادي الأولى.
قلت: قَالَ ابْن الْمُهَذّب المعري فِي تَارِيخه: وَلم يل الْخلَافَة بعد عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ من اسْمه عَليّ غير المكتفي، وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الأغلبي وَقد ذكر من قبل، وَملك ابْنه عبد اللَّهِ.
ثمَّ دخلت سنة تسعين وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا اشتدت شَوْكَة القرامطة حَتَّى هزموا جَيش طغج أَمِير دمشق وحصروا دمشق، ثمَّ اجْتمعت عَلَيْهِم العساكر وَقتلُوا مقدمهم يحيى الْمَعْرُوف بالشيخ، فَقَامَ فِي القرامطة أَخُوهُ الْحُسَيْن وَتسَمى بِأَحْمَد وَأظْهر شامة بِوَجْهِهِ وَزعم أَنَّهَا آيَته وَكثر جمعه فَصَالحه أهل دمشق على مَال دفعوه، وَانْصَرف فغلب على حمص وخطبوا لَهُ على منابرها وَتسَمى بالمهدي أَمِير الْمُؤمنِينَ، وعهد إِلَى ابْن عَمه عبد اللَّهِ ولقبه المدثر وَزعم أَنه المدثر الَّذِي فِي الْقُرْآن.
ثمَّ سَار إِلَى حماه والمعرة وَغَيرهمَا وَقتل أَهلهَا حَتَّى الْأَطْفَال وَالنِّسَاء، وَأخذ سلمية بالأمان وَقتل أَهلهَا حَتَّى صبيان الْمكتب.
وَلما اشْتَدَّ أَمر القرمطي صَاحب الشامة خرج المكتفي من بَغْدَاد وَنزل الرقة وَأرْسل إِلَيْهِ الجيوش.
قلت: قَالَ ابْن الْمُهَذّب المعري فِي تَارِيخه: إِن القرمطي قتل بمعرة النُّعْمَان بضعَة عشر ألفا وَأقَام بهَا ينهب وَيحرق وَيقتل خَمْسَة عشر يَوْمًا، وَالله أعلم.