(فاحذر عَلَيْهِ شرار النَّاس كلهم ... والحاسدين فَإِن الْخَيْر مَحْسُود)
وَالله أعلم.
فَلَمَّا وصل مَعَ عَمه إِلَى بصرى وعمره إِذْ ذَاك ثَلَاث عشرَة سنة رَآهُ بحيرا الراهب فَرَأى الغمامة تظله فَقَالَ لأبي طَالب: ارْجع بِهِ وَاحْذَرْ عَلَيْهِ الْيَهُود فَخرج بِهِ أَبُو طَالب بعد فَرَاغه من تِجَارَته حَتَّى أقدمه مَكَّة.
قلت: وَرَآهُ إِذن رجال من الْيَهُود فعرفوا صفته وَأَرَادُوا أَن يغتالوه وهم زرير ودريس وَتَمام فَذَهَبُوا إِلَى بحيرا فذاكروه ذَلِك ويظنون أَن بحيرا سيتابعهم على رَأْيهمْ فنهاهم أَشد النَّهْي وَقَالَ: أتجدون صفته؟ قَالُوا نعم، قَالَ: فمالكم إِلَيْهِ سَبِيل، وَقَالَ أَبُو طَالب فِي ذَلِك:
(إِن ابْن آمِنَة الْأمين مُحَمَّدًا ... عِنْدِي بِمثل منَازِل الْأَوْلَاد)
(لما تعلق بالزمام رَحمته ... والعيس قد قلصن بالأرواد)
وَمِنْهَا:
(راعيت فِيهِ قرَابَة مَوْصُولَة ... وَذكرت فِيهِ وَصِيَّة الأجداد)
(وأمرته بالسير بَين عمومة ... بيض الْوُجُوه مصالت أنجاد)
(حَتَّى إِذا مَا الْقَوْم بصرى عاينوا ... لاقوا على شرك من المرصاد)
(حبرًا فَأخْبرنَا حَدِيثا صَادِقا ... عَنهُ ورد معاشر الحساد)
(قوم بهود قد رَأَوْا مَا قدر رأى ... ظلّ الغمامة وغر الأكباد)
(ثَارُوا لقتل مُحَمَّد فنهاهم ... عَنهُ واجهد أحسن الإجهاد)
وَالله أعلم، وشب رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى بلغ فَكَانَ أعظم النَّاس مُرُوءَة وحلما وَأَحْسَنهمْ جَوَابا وأصدقهم حَدِيثا وأبعدهم عَن الْفُحْش حَتَّى سَمَّاهُ قومه الْأمين وَحضر مَعَ عمومته حَرْب الْفجار وعمره أَربع عشرَة سنة وَهِي حَرْب بَين قُرَيْش وَبَين هوَازن انتهكت فِيهَا هوَازن حُرْمَة الْحرم فسميت بالفجار كَانَت الكرة فِيهَا أَولا على قُرَيْش وكنانة ثمَّ انتصرت قُرَيْش.
وَبلغ خَدِيجَة بنت خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي بن كلاب صدقه وأمانته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعرضت خَدِيجَة عَلَيْهِ سَفَره فِي تِجَارَة لَهَا إِلَى الشَّام مَعَ غلامها ميسرَة فَأجَاب وَخرج وَمَعَهُ ميسرَة حَتَّى قدم الشَّام وَبَاعَ وَاشْترى وَرجع قَافِلًا إِلَى مَكَّة بِمَال خَدِيجَة فحدثها ميسرَة بِمَا شَاهد مِنْهُ وَأَن ملكَيْنِ كَانَا يظلانه وَقت الْحر فعرضت خَدِيجَة نَفسهَا عَلَيْهِ فَتَزَوجهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَيّمَا وَهِي بنت أَرْبَعِينَ سنة وَأصْدقهَا عشْرين بكرَة وَآمَنت بِهِ وَهِي أول أَزوَاجه وَلم يتَزَوَّج غَيرهَا حَتَّى مَاتَ رَضِي اللَّهِ عَنْهَا وَعَاشَتْ مَعَه بعد مبعثه عشر سِنِين وَتوفيت قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين.
(تَجْدِيد قُرَيْش عمَارَة الْكَعْبَة)
كَانَت الْكَعْبَة قَصِيرَة الْبناء فهدمتها قُرَيْش ثمَّ بنوها حَتَّى بلغ الْبُنيان الْحجر الْأسود فاختصموا فِيهِ وأرادت كل قَبيلَة رَفعه إِلَى مَوْضِعه ثمَّ اتَّفقُوا على تحكيم أول دَاخل من بَاب