من قبالتهم من التتر وركبوا قفاهم يقتلُون فيهم، وَكَانَ منكوتمر قبالة الْقلب فَانْهَزَمَ وانكشفت ميسرَة الْمُسلمين وَتمّ ببعضهم الْهَزِيمَة إِلَى دمشق وسَاق التتر فِي أثر المنهزمين حَتَّى وصلوا إِلَى تَحت حمص وَقتلُوا من السوقية وغلمان الْعَسْكَر والعوام خلقا كثيرا، ثمَّ علمُوا بهزيمة جيشهم، فَانْهَزَمُوا وتبعهم الْمُسلمُونَ يقتلُون وَيَأْسِرُونَ.
وَكَانَ التتر نَحْو ثَمَانِينَ ألفا مِنْهُم مغول خَمْسُونَ ألفا وَالْبَاقُونَ كرج وأرمن وعجم وَغَيرهم.
وَبَلغت الكسرة أبغا وَهُوَ محاصر الرحبة فَرَحل على عقبه مُنْهَزِمًا وزينت الْبِلَاد لهَذَا الْفَتْح الْعَظِيم، ثمَّ أعْطى السُّلْطَان الدستور للعساكر الشمالية فَرجع صَاحب حماه إِلَى حماه وسنقر الاشقر وجماعته إِلَى صهيون وعسكر حلب إِلَيْهَا وَالسُّلْطَان بالأسرى والرؤوس إِلَى دمشق ثمَّ إِلَى مصر.
قلت: وَقيل أَن الْحَاج أزدمر سَاق وَحرق التتر إِلَى مقدمهم منكوتمر وطعنه فَرَمَاهُ وَاسْتشْهدَ أزدمر ثمَّ مَاتَ منكوتمر من تِلْكَ الطعنة، وَكَانَت سَبَب كسرة التتر وَالله أعلم.
وفيهَا: عِنْد استقراره قدمت هَدِيَّة صَاحب الْيمن المظفر شمس الدّين يُوسُف بن عمر بن عَليّ بن رَسُول فقبلها السُّلْطَان، وَكَانَت عودا وعنبرا وصينيا ورماح قِنَا وَغير ذَلِك، وَكتب لَهُ أَمَانًا صَدره: هَذَا أَمَان الله تَعَالَى وأمان سيدنَا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وأماننا لأخينا السُّلْطَان الْملك المظفر شمس الدّين يُوسُف بن عمر صَاحب الْيمن إننا رَاعُونَ لَهُ ولأولاده، مسالمون من سالمهم، معادون من عاداهم وَنَحْو ذَلِك، وَأرْسل إِلَيْهِ هَدِيَّة من أسلاب التتر وخيلهم.
وفيهَا: مَاتَ منكوتمر بن هولاكو بن طلو بن جنكيزخان بِجَزِيرَة ابْن عمر مكموداً من كَسرته وَكَانَ مَوته خَاتِمَة الْفَتْح.
وفيهَا: بعراق الْعَجم توفّي عَلَاء الدّين عَطاء ملك بن مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ كَانَ صَاحب الدِّيوَان بِبَغْدَاد فنسبه أبغا إِلَى مواطأة الْمُسلمين وَقبض عَلَيْهِ وَأخذ أَمْوَاله وَكَانَ صَدرا فَاضلا، وَله شعر حسن.
فَمِنْهُ:
(أبادية الْأَعْرَاب عني فإنني ... بحاضرة الأتراك نيطت علائقي)
(وَأهْلك يَا نجل الْعُيُون فإنني ... جننت بِهَذَا النَّاظر المتضايق)
وَولي بَغْدَاد بعده ابْن أَخِيه هَارُون بن مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ.
قلت: وَفِي سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة مَاتَ بالموصل الإِمَام شيخ الْوَقْت موفق الدّين أَحْمد بن يُوسُف الكواشي الزَّاهِد الْمُفَسّر وَله تسعون سنة وَشَيخ مصر وقاضيها تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن رزين الْحَمَوِيّ، وَله سبع وَسَبْعُونَ سنة ومحدث دمشق جمال الدّين