(خلفاء بني أُميَّة)
أَرْبَعَة عشر، أَوَّلهمْ مُعَاوِيَة وَآخرهمْ مَرْوَان الْجَعْدِي، ملكوا نيفا وَتِسْعين سنة ألف شهر تَقْرِيبًا. قَالَ ابْن الْأَثِير: لما سَار الْحسن رَضِي اللَّهِ عَنهُ من الْكُوفَة عرض لَهُ رجل وَقَالَ: يَا مسود وُجُوه الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ الْحسن: لَا تعذلني فَإِن رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أرِي فِي مَنَامه أَن بني أُميَّة ينزون على منبره رجلا فساءه ذَلِك، فَأنْزل اللَّهِ: {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} و {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر. لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} يملكهَا بَنو أُميَّة.
(أَخْبَار مُعَاوِيَة)
وَهُوَ ابْن أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي، وامه هِنْد، ويكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن، بُويِعَ يَوْم الْحكمَيْنِ، وَقيل بِبَيْت الْمُقَدّس بعد قتل عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ، وبويع ثَانِيًا الْبيعَة الثَّانِيَة يَوْم خلع الْحسن نَفسه وَاسْتمرّ
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسنة ثَلَاث وَأَرْبَعين: فِيهَا توفّي عَمْرو بن الْعَاصِ بن وَائِل بن هَاشم بن سعد بن سعيد بن سهم بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي الْقرشِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة من الثَّلَاثَة الهاجين لرَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهم عَمْرو الْمَذْكُور وَأَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَعبد اللَّهِ بن الزبعري، وَكَانَ يُجِيبهُمْ ثَلَاثَة حسان بن ثَابت وَعبد اللَّهِ بن رَوَاحَة وَكَعب بن مَالك، وَكَانَت مصر طعمة لعَمْرو بعد رزق جندها حسب شَرطه الَّذِي تقدم وَفِي ذَلِك يَقُول عَمْرو:
(معاوي لَا أُعْطِيك ديني وَلم أنل ... بِهِ مِنْك دنيا فانظرن كَيفَ تصنع)
(فَإِن تعطني مصرا فتربح بصفقة ... أخذت بهَا شَيخا يضر وينفع)
وَولى مُعَاوِيَة مصر بعد موت عَمْرو ابْنه عبد اللَّهِ ثمَّ عَزله.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَأَرْبَعين: فِيهَا استلحق مُعَاوِيَة زِيَاد بن سميَّة أمة الْحَارِث بن كلدة الثَّقَفِيّ زَوجهَا بِعَبْد رومي لَهُ اسْمه عبيد فَولدت زيادا على فرَاشه وَكَانَ أَبُو سُفْيَان فِي الْجَاهِلِيَّة قد وَقع عَلَيْهَا بِالطَّائِف وَوضعت زيادا سنة الْهِجْرَة وَنَشَأ فصيحا حضر بِمحضر جمع من الصَّحَابَة فِي خلَافَة عمر فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: لَو كَانَ هَذَا الْغُلَام من قُرَيْش لساق الْعَرَب بعصاه، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان لعَلي رَضِي الله عَنهُ: أَنِّي لأعرف من وَضعه فِي رحم أمه، فَقَالَ عَليّ: وَمن هُوَ يَا أَبَا سُفْيَان؟ فَقَالَ: أَنا، فَقَالَ مهلا يَا أَبَا سُفْيَان.
قلت: فَقَالَ أَبُو سُفْيَان شعرًا:
(أما وَالله لَوْلَا خوف شخص ... يراني يَا عَليّ من الأعادي)
(لأظهره سره صَخْر بن حَرْب ... وَبِمَ تكن الْمقَالة عَن زِيَاد)
(وَقد طَالَتْ مجامتلي ثقيفا ... وتركي فيهم ثَمَر الْفُؤَاد)
وَالله أعلم، وَلما لم يُصَرح زِيَاد بِشَهَادَة الزِّنَا على الْمُغيرَة كَمَا تقدم صَارَت لَهُ عِنْده يَد يعظمه