النُّعْمَان فِي معنى حَاجَة لَهُ وَكَانَ النُّعْمَان قد ضرب لخَالِد قبَّة فَلَمَّا جن اللَّيْل دخل الْحَارِث إِلَى خَالِد وَقَتله فِي الْقبَّة غيلَة وهرب وَسلم.
ثمَّ جمع " الْأَحْوَص " بن جَعْفَر أَخُو خَالِد بني عَامر وَطلب الْحَارِث المري وَكَذَلِكَ أَخذ النُّعْمَان فِي طلبه لقتل جَاره وَجَرت لذَلِك حروب طَوِيلَة آخرهَا يَوْم شعب جبلة كَمَا سَيَأْتِي، وَمن مُلُوك الْعَرَب " الْملك قيس " بن زُهَيْر الْعَبْسِي الْمَذْكُور جمع لقِتَال بني عَامر أخذا بثأر أَبِيه زُهَيْر ثمَّ نزل بالحجاز وفاخر قُريْشًا ثمَّ رَحل وَنزل على بني بدر الْفَزارِيّ الذبياني على حُذَيْفَة بن بدر وَكَانَ قيس قد اشْترى من الْحجاز حصانه وفرسه وهما " داحس والغبراء " وَقيل الغبراء بنت داحس اسْتَوْلدهَا قيس من داحس وَكَانَ لِحُذَيْفَة بن بدر فرسَان الخطار والحنفاء وَقصد أَن يسابق بَينهمَا وَبَين داحس والغبراء فكره قيس السباق فَأبى حُذَيْفَة إِلَّا ذَلِك فأجروا الْأَرْبَعَة بِذَات الآصاد وَكَانَ الميدان مائَة غلوة والغلوة رمية سهم أبعد مَا يُمكن وَالرَّهْن مائَة بعير فَسبق داحس سبقا بَينا وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ وَكَانَ حُذَيْفَة قد أكمن فِي طَرِيق الْخَيل من يعْتَرض داحسا إِن جَاءَ سَابِقًا فاعترضه الكمين وضربه على وَجهه فَتَأَخر داحس وَسبق الغبراء الخطار والحنفاء فَأنْكر حُذَيْفَة ذَلِك كُله وَادّعى السَّبق فَوَقع الْخلف بَين بني بدر وَبني قيس.
وَكَانَ بَين الرّبيع بن زِيَاد وَبَين قيس خلف بِسَبَب درع اغتصبها الرّبيع من قيس وَكَانَ الرّبيع يسوؤه اتِّفَاق بني بدر مَعَ قيس فسره ذَلِك وَاشْتَدَّ الْأَمر فَقتل قيس بدية بن حُذَيْفَة وَكَانَ ملك أَخُو قيس نازلا فِي بني ذبيان فَبَلغهُمْ قتل بدية فَقتلُوا مَالِكًا غيلَة فَعظم على الرّبيع بن زِيَاد مقتل مَالك وَعطف على قيس وانتصر لَهُ وللربيع أَبْيَات فِي مقتل مَالك مِنْهَا:
(من كَانَ مَسْرُورا بمقتل مَالك ... فليأت نسوتنا بِوَجْه نَهَار)
(يجد النِّسَاء حواسرا يندبنه ... ويقمن قبل تبلج الأسحار)
ثمَّ اجْتمع قيس وَالربيع وتعانقا وَقَالَ قيس للربيع إِنَّه لم يهرب مِنْك من لَجأ إِلَيْك وَلم يسْتَغْن عَنْك من اسْتَعَانَ بك وَاجْتمعَ إِلَيْهِمَا بَنو عبس وَاجْتمعَ إِلَى بني بدر فَزَارَة وذبيان، واشتدت الْحَرْب الْمَعْرُوفَة بِحَرب داحس فَاقْتَتلُوا أَولا فَقتل عَوْف بن بدر وانهزمت فَزَارَة بعد قتل ذريع فيهم، ثمَّ اقْتَتَلُوا ثَانِيًا فنصرت عبس أَيْضا وَقتل الْحَارِث بن بدر وطالت الحروب وَآخِرهَا هزيمَة فَزَارَة فَانْفَرد حُذَيْفَة وَحمل أَخُوهُ وَجَمَاعَة وقصدوا " حفر الهباءة " فلحقهم بَنو عبس وَفِيهِمْ قيس وَالربيع بن زِيَاد وعنترة وحالوا بَينهم وَبَين خيلهم وَقتلُوا جميلا وَحُذَيْفَة وَأَكْثَرت الشُّعَرَاء فِي ذَلِك وَظَهَرت فِي هَذِه الحروب شجاعة عنترة بن شَدَّاد.
فَلَمَّا قويت فَزَارَة دخلت بَنو عبس على كثير من أَحيَاء الْعَرَب فَلم يطلّ لَهُم مقَام عِنْد أحد وَآخر قصدت عبس الصُّلْح مَعَ فَزَارَة، وَتمّ الصُّلْح، وَقيل لما اصْطَلحُوا لم يسر قيس مَعَهم بل انْفَرد وَتَنصر وساح وترهب بعمان زَمَانا وَقيل تزوج فِي النهرين لما انْفَرد وَولد لَهُ فضَالة وَبَقِي فضَالة حَتَّى قدم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقعدَ لَهُ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على من مَعَه من