وَنقل من خطب بدر الدّين العزازي أَن كلبة ولدت بِالْقَاهِرَةِ فِي هَذِه السّنة ثَلَاثِينَ جرواً وَأَنَّهَا أحضرت بَين يَدي السُّلْطَان فَعجب مِنْهَا وَسَأَلَ المنجمين عَن ذَلِك فَلم يكن عِنْدهم علم من ذَلِك.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة: فِيهَا فِي ربيع الآخر جَاءَت الْبُشْرَى بِفَتْح آياس وَبعدهَا نصب المنجنيق على حصنها الأطلس الَّذِي فِي الْبَحْر فَلَمَّا رأى الأرمن ذَلِك نقلوا أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ فِي المراكب وعملت الأكلال وَمَشى النَّاس عَلَيْهَا، وَكَانَ طول الجسر الَّذِي عمل بالأكلال ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وَكَانَت ثَلَاثَة أبرجة فِي الْبَحْر الأطلس والشمعة والآياس فَلَمَّا تعرضوا لسب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ألْقى الله فِي قُلُوبهم الرعب وَهَزَمَهُمْ.
قلت:
(مَا ذكرُوا الْمُصْطَفى بِسوء ... إِلَّا وسيق البلا إِلَيْهِم)
(فحبه رَحْمَة علينا ... وسبه نقمة عَلَيْهِم)
وقاسى الْعَسْكَر فِي هدم الأبراج مشقة فَإِنَّهَا كَانَت مكلبة بحديد ورصاص وَعرض السُّور ذِرَاعا بالنجاري، ونقبت الأبراج من أَسْفَل وعلقت بالأخشاب وَأُلْقِي عَلَيْهَا الْحَطب وَحب الْقطن وَالزَّيْت وأحرقت فتساقطت جَمِيعهَا، ثمَّ نصب على جهان عشرَة مراكب وَعبر الْجند وَغَيرهم عَلَيْهَا فَقتلُوا من الأرمن طَائِفَة كَثِيرَة وأسروا جمَاعَة وأحضر من الْقَتْلَى نَحْو مِائَتي رَأس رموا عِنْد بَاب قلعة كبرا ثمَّ تَفَرَّقت الإغارات فِي بلد سيس وعادوا سَالِمين.
وفيهَا: فِي شعْبَان عقد عقد الْأَمِير أبي بكر بن أرغون النَّائِب على ابْنة السُّلْطَان، وختن يَوْمئِذٍ جمَاعَة من أَوْلَاد الْأُمَرَاء بِحُضُور السُّلْطَان وَمد سماطاً عَظِيما ونثر عَلَيْهِم مَال كثير.
وَفِيه: ورد كتاب من الْقَاهِرَة أَن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر نَصره الله أبطل مكس الْمَأْكُول بِمَكَّة زَادهَا الله شرفاً، وَعوض عطيفة صَاحب مَكَّة بِثُلثي بلد دمامين من صَعِيد مصر.
وفيهَا: فِي شَوَّال توفّي شمس الدّين مُحَمَّد المغربي وَهُوَ الَّذِي بنى بالصنمين خَانا للسبيل وَحصل للنَّاس بِهِ نفع عَظِيم.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة: فِيهَا فِي ربيع الأول توفّي قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أَحْمد بن صصرى الشَّافِعِي التغلبي بِدِمَشْق فَجْأَة ببستانه بِالسَّهْمِ، كَانَ رَحمَه الله وجزاه عَنَّا خيرا سريع الْحِفْظ حُلْو اللَّفْظ عَليّ الهمة وافر النِّعْمَة يبْذل فِي إعزاز الشَّرْع نفائس مَاله، وَيُقَاتل عَن أَصْحَابه ويذب عَن عماله وَكَانَ بِدِمَشْق فِي زَمَانه من الْعلمَاء رُؤُوس، فَكَانَ يكاثر
بِسُرْعَة حفظه وذكائه ويشيد الدُّرُوس، وَلَقَد كَانَ يعم بإحسانه الْآفَاق حَتَّى قيل مَاتَ بِمَوْتِهِ مَكَارِم الْأَخْلَاق.
قلت:
(مَاتَ وَالله ابْن صصرى ... رحم الله ابْن صصرى)