فَجمع نِسَاءَهُ واستأذنهن أَن يمرض فِي بَيت إِحْدَاهُنَّ فَأذن لَهُ أَن يمرض فِي بَيت عَائِشَة رَضِي اللَّهِ عَنْهَا فانتقل إِلَيْهَا.
وَكَانَ قد جهز جَيْشًا مَعَ مَوْلَاهُ أُسَامَة بن زيد وأكد فِي مسيره فِي مَرضه، وَعَن عَائِشَة قَالَت: " جَاءَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبِي صداع وَأَنا أَقُول وارأساه قَالَ بل أَنا يَا عَائِشَة أَقُول وارأساه ثمَّ قَالَ مَا ضرك لَو مت قبلي فَقُمْت عَلَيْك وكفنتك وَصليت عَلَيْك ودفنتك فَقلت كَأَنِّي بك وَالله لَو فعلت ذَلِك وَرجعت إِلَى بَيْتِي تعزيت بِبَعْض نِسَائِك فَتَبَسَّمَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
وَفِي أثْنَاء مَرضه وَهُوَ فِي بَيت عَائِشَة خرج بَين الْفضل بن الْعَبَّاس وَعلي بن أبي طَالب رَضِي اللَّهِ عَنْهُمَا حَتَّى جلس على الْمِنْبَر فَحَمدَ اللَّهِ ثمَّ قَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس من كنت جلدت لَهُ ظهرا فَهَذَا ظَهْري فليستقد مني وَمن كنت شتمت لَهُ عرضا فَهَذَا عرضي فليسقد مِنْهُ وَمن أخذت لَهُ مَالا فَهَذَا مَالِي فليأخذ مِنْهُ وَلَا يخْشَى الشحناء من قبلي فَإِنَّهَا لَيست من شأني ".
ثمَّ نزل وَصلى الظّهْر ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَر فَعَاد إِلَى مقَالَته فَادّعى عَلَيْهِ رجل ثَلَاثَة دَرَاهِم فَأعْطَاهُ عوضهَا ثمَّ قَالَ: " أَلا أَن فضوح الدُّنْيَا أَهْون من فضوح الْآخِرَة " ثمَّ صلى على أَصْحَاب اُحْدُ واستغفر لَهُم ثمَّ قَالَ: " إِن عبدا خَيره اللَّهِ بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده فَاخْتَارَ مَا عِنْده " فَبكى أَبُو بكر وَقَالَ: فَدَيْنَاك بِأَنْفُسِنَا، ثمَّ أوصى بالأنصار وَلما اشْتَدَّ بِهِ وَجَعه قَالَ: " ائْتُونِي بداوة وبيضاء أكتب لكم كتابا لَا تضلون بعدِي أبدا " فتنازعوا، فَقَالَ: " لَا يَنْبَغِي عِنْد نَبِي تنَازع ".
فَقَالُوا إِن رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يهجر فَذَهَبُوا يعيدون عَلَيْهِ فَقَالَ: " دَعونِي فَمَا أَنا فِيهِ خير مِمَّا تَدعُونِي إِلَيْهِ ".
وَكَانَ فِي أَيَّام مَرضه يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَإِنَّمَا انْقَطع ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا أذن بِالصَّلَاةِ أول مَا انْقَطع قَالَ: " مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ ".
قلت: وَسَار فَاطِمَة رَضِي اللَّهِ عَنْهَا فِي مَرضه فَبَكَتْ، ثمَّ سَارهَا فَضَحكت فَلَمَّا مَاتَ أخْبرت بِأَنَّهُ قَالَ لي فِي الأولى إِنِّي ميت من وجعي هَذَا فَبَكَيْت، وَقَالَ فِي الثَّانِيَة إِنَّك أول أَهلِي لُحُوقا بِي فَضَحكت، فَكَانَ كَمَا قَالَ، وَالله أعلم.
وتزايد بِهِ مَرضه حَتَّى توفّي يَوْم الأثنين ضحوة النَّهَار وَقيل نصفه، قَالَت عَائِشَة: " رَأَيْت رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يَمُوت وَعِنْده قدح فِيهِ مَاء يدْخل يَده فِي الْقدح ثمَّ يمسح وَجهه بِالْمَاءِ ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ أَعنِي على سَكَرَات الْمَوْت قَالَت وَثقل فِي حجري فَذَهَبت أنظر فِي وَجهه وَإِذا بَصَره قد شخص وَهُوَ يَقُول بل الرقيف الْأَعْلَى فَلَمَّا قبض وضعت رَأسه على وسَادَة ".
ووفاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول فعلى هَذِه الرِّوَايَة يَوْم وَفَاته مُوَافق ليَوْم مولده وَلما مَاتَ ارْتَدَّ أَكثر الْعَرَب إِلَّا أهل الْمَدِينَة وَمَكَّة والطائف فَلم يدخلهَا ردة.