الظنون بِهِ فكثرت أَتْبَاعه فَاسْتَحْضرهُ أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين فناظر بِحَضْرَتِهِ الْفُقَهَاء فقطعهم، فأشير على ابْن تاشفين بقتْله أَو تخليده فِي الْحَبْس فَأبى وَأخرجه من مراكش فَسَار الْمهْدي إِلَى أغمات وَلحق بِالْجَبَلِ فَاجْتمع عَلَيْهِ النَّاس، وَادّعى أَنه الْمهْدي الَّذِي وعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِخُرُوجِهِ، فاستفحل أمره وَقَامَ عبد الْمُؤمن بن عَليّ فِي عشرَة أنفس وَقَالُوا لَهُ: أَنْت الْمهْدي وَبَايَعُوهُ على ذَلِك، وتبعهم غَيرهم فَأرْسل ابْن تاشفين إِلَيْهِ جَيْشًا فَهَزَمَهُمْ فَأَقْبَلت الْقَبَائِل تبايعه، وَعظم أمره واستوطن جبلا عِنْد سمليك وَرَأى فِي جموعه قوما خافهم فَقَالَ: إِن الله أَعْطَانِي نورا أعرف بِهِ أهل الْجنَّة من أهل النَّار، وَجمع النَّاس إِلَى رَأس جبل وَجعل يَقُول عَن كل من يخافه هَذَا من أهل النَّار فَيلقى من رَأس الشاهق، وَيَقُول عَمَّن لَا يخافه هَذَا من أهل الْجنَّة فَيجْعَل عَن يمينة حَتَّى قتل على مَا قيل سبعين ألفا، وَأمن على نَفسه وسمى مطيعيه الْمُوَحِّدين، وَمَا برح يَعْلُو إِلَى سنة أَربع وَعشْرين وَخَمْسمِائة فَجهز أَرْبَعِينَ ألفا فيهم التونشريشي وَعبد الْمُؤمن فحصروا أَمِير الْمُسلمين بمراكش عشْرين يَوْمًا ثمَّ كشف مُتَوَلِّي سجلماسة بالعساكر عَن مراكش وطلع أهل مراكش وأمير الْمُسلمين واقتتلوا فَقتل التونشريشي وَصَارَ عبد الْمُؤمن مقدم الْعَسْكَر فَاقْتَتلُوا قتالاً شَدِيدا فَانْهَزَمَ عبد الْمُؤمن فهرب لَيْلًا بالعسكر إِلَى الْجَبَل وَبلغ الْمهْدي وَهُوَ مَرِيض ذَلِك فَسَأَلَ عَن عبد الْمُؤمن فَقيل إِنَّه سَالم فَقَالَ الْمهْدي لم يمت أحد، وَأوصى أَصْحَابه بِاتِّبَاع عبد الْمُؤمن وعرفهم أَنه هُوَ الَّذِي يفتح الْبِلَاد وَسَماهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ، ثمَّ مَاتَ فِي مَرضه وعمره إِحْدَى وَخَمْسُونَ سنة، وولايته عشر سِنِين.
وَعَاد عبد الْمُؤمن فَأَقَامَ فِي تنمتليك يؤلف الْقُلُوب إِلَى سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة، ثمَّ سَار عبد الْمُؤمن وَاسْتولى على الْجبَال، وَجعل عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين ابْنه تاشفين يسير فِي الوطاءة قبالة عبد الْمُؤمن.
وَفِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ سَار عَسْكَر عبد الْمُؤمن إِلَى وهران وَسَار تاشفين إِلَيْهِم وَقرب الْجَمْعَانِ فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة سبع وَعشْرين من رَمَضَان من هَذِه السّنة وَهِي لَيْلَة عَادَة المغاربة تعظيمها سَار تاشفين متخفياً فِي جمَاعَة يسيرَة ليزور مَكَانا على الْبَحْر فِيهِ متعبدون للتبرك وَبلغ ذَلِك عمر بن يحيى الهتنائي مقدم جَيش عبد الْمُؤمن فأحاط بتاشفين فَركب فرسه ليهرب فَسقط من جرف فَهَلَك وجهلوه على خَشَبَة وَقتل من مَعَه وتفرق عسكره، وَسَار عبد الْمُؤمن إِلَى وهران وملكها بِالسَّيْفِ وَقتل من الْمُسلمين مَا لَا يُحْصى،
ثمَّ ملك قاروت إِحْدَى مدينتي تلمسان وَجعل على أغادير الثَّانِيَة جَيْشًا فحصروها وَبَين المدينتين شوط فرس وَسَار إِلَى فاس فملكها بالأمان فِي آخر سنة أَرْبَعِينَ وَخَمْسمِائة ورتب أمرهَا وَفتح سلا سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَفتح عسكره أغادير بعد حِصَار سنة وَقتل أَهلهَا ثمَّ نزل مراكش وَقد مَاتَ عَليّ بن يُوسُف صَاحبهَا، ثمَّ تاشفين بن عَليّ.
ثمَّ ملك أَخُوهُ إِسْحَاق بن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين وَهُوَ صبي فحاصرها عبد