ديواني على مائَة ألف مرتزق مَا فيهم أَسْوَأ حَالا مني، وَكَانَ قد بُويِعَ لَهُ بالعهد بعد الْمُفَوض بن الْمُعْتَمد فبويع بعد مَوته لِابْنِهِ أبي الْعَبَّاس بن المعتضد بِولَايَة الْعَهْد بعد الْمُفَوض وَاجْتمعَ إِلَيْهِ أَصْحَاب أَبِيه وجهاته.
وفيهَا: تحرّك بسواد الْكُوفَة قوم يسمون " القرامطة "، دعاهم إِلَى دينه شخص اسْمه كرمينه وَتَفْسِيره بالنبطية: حمرَة الْعين ثمَّ خفف فَقيل: قرمط، فَأَجَابَهُ من السوَاد والبادية قوم لَيْسَ لَهُم عقل وَلَا دين، وَأخرج لَهُم كتابا بعض مَا فِيهِ: بِسم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم يَقُول الْفرج بن عُثْمَان من قَرْيَة نصرانة إِنَّه دَاعِيَة الْمَسِيح وَهُوَ عِيسَى وَهُوَ الْكَلِمَة وَهُوَ الْمهْدي وَهُوَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَهُوَ جِبْرِيل وَإِن الْمَسِيح تصور فِي جسم إِنْسَان وَقَالَ، إِنَّك الداعية وَإنَّك النَّاقة وَإنَّك الدَّابَّة وَإنَّك يحيى بن زَكَرِيَّا وَإنَّك روح الْقُدس، وعرفه أَن الصَّلَاة أَربع رَكْعَات رَكْعَتَانِ قبل طُلُوع الشَّمْس وركعتان قبل غُرُوبهَا، وَأَن الْأَذَان فِي كل صَلَاة أَن يَقُول الْمُؤَذّن: اللَّهِ أكبر ثَلَاث مَرَّات، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ مرَّتَيْنِ أشهد أَن آدم رَسُول اللَّهِ، أشهد أَن نوحًا رَسُول اللَّهِ، أشهد أَن إِبْرَاهِيم رَسُول اللَّهِ أشهد ان عِيسَى رَسُول اللَّهِ، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، أشهد أَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة رَسُول اللَّهِ، والقبلة بَيت الْمُقَدّس.
قلت: وَفِي تَارِيخ ابْن الْمُهَذّب المعري: أَن قرمطا الْمَذْكُور أول ظُهُوره كَانَ فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَنه إِنَّمَا سمي قرمطا لِأَنَّهُ كَانَ قَصِيرا وخطوه متقاربا لقصر رجلَيْهِ، وَإِن قرمطا أظهر الزّهْد والورع وتسوق بِهِ على النَّاس مكيدة وخبثا، وَزعم القرامطة أَنهم يدعونَ إِلَى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي اللَّهِ عَنهُ، انْتهى. ثمَّ صدر من القرامطة مَا لم يصدر من الْكفَّار كَمَا ستقف عَلَيْهِ فِي مَوَاضِع، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا خلع الْمُعْتَمد ابْنه جعفرا الْمُفَوض من ولَايَة الْعَهْد وَجعل المعتضد ابْن أَخِيه ولي الْعَهْد بعده.
وفيهَا: توفّي الْمُعْتَمد على اللَّهِ أَحْمد لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من رَجَب بِبَغْدَاد أَكثر من الشَّرَاب وَالْأكل على الشط فَمَاتَ لَيْلًا، وأحضر المعتضد الْقُضَاة والأعيان فرأوه، وَنقل إِلَى سامراء فَدفن بهَا وعمره خَمْسُونَ سنة وَسِتَّة أشهر وخلافته ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة وَسِتَّة أَيَّام. وَمن شعره لما تحكم على أمره أَخُوهُ الْمُوفق حَتَّى احْتَاجَ إِلَى ثلثمِائة دِينَار فَلم يجدهَا:
(أَلَيْسَ من الْعَجَائِب أَن مثلي ... يرى مَا قل مُمْتَنعا عَلَيْهِ)