قلت: وَمَا أحسن قَول دعبل - وَقد يرْوى لغيره:
(لَكِنَّهَا خطرات من وساوسه ... يُعْطي وَيمْنَع لَا بخلا وَلَا كرما)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا قتل المتَوَكل بِالسُّيُوفِ فِي الْخلْوَة فِي مجْلِس شرابه بِرَأْي ابْنه الْمُنْتَصر وبغا الصَّغِير الشرابي، وَقتل مَعَه وزيره الْفَتْح بن خاقَان لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لسبع خلون من شَوَّال، وخلافته أَربع عشرَة سنة وَعشرَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام، وعمره نَحْو أَرْبَعِينَ سنة، وَكَانَ أسمر خَفِيف العارضين.
(أَخْبَار الْمُنْتَصر بن المتَوَكل)
فِي صَبِيحَة تِلْكَ اللَّيْلَة بُويِعَ الْمُنْتَصر، حضرت الْأَعْيَان بالجعفري فَأخْرج أَحْمد بن الْخَطِيب كتابا من الْمُنْتَصر أَن الْفَتْح بن خاقَان قتل المتَوَكل فَقتلته بِهِ، فَبَايعُوهُ.
قلت: وفيهَا حج أَبُو عبَادَة البحتري هربا من الْمُنْتَصر لِأَنَّهُ كَانَ يشرب مَعَ أَبِيه لما قتل فَقَالَ:
(فَلَو كَانَ سَيفي سَاعَة الْقَتْل فِي يَدي ... درى الفاتك العجلان كَيفَ أساوره)
فَلَمَّا قضي حجه وَعَاد مدح الْمُنْتَصر بقصيدة مِنْهَا:
(حجَجنَا البنية شكرا لما ... حبانا بِهِ اللَّهِ فِي الْمُنْتَصر)
وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي أَبُو الْعَبَّاس أَمِير صقلية، فولى النَّاس ابْنه عبد اللَّهِ ثمَّ ورد من إفريقية خفاجة بن سُفْيَان أَمِيرا فغزا وَفتح، ثمَّ اغتاله بعض أَصْحَابه فولى النَّاس ابْنه مُحَمَّدًا، ثمَّ أقره مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْأَغْلَب صَاحب القيروان، وَبَقِي مُحَمَّد بن خفاجة أَمِيرا إِلَى سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ فَقتله طواشيته وهربوا فَقتلُوا.
وفيهَا: توفّي أَبُو عُثْمَان بكر بن مُحَمَّد الْمَازِني الإِمَام فِي الْعَرَبيَّة.
قلت: بذل لَهُ ذمِّي مائَة دِينَار على فاقة ليقرئه كتاب سِيبَوَيْهٍ، فَامْتنعَ غيرَة للْعلم وَالْقُرْآن، فاتفق أَن جَارِيَة غنت بِحَضْرَة الواثق.
(أظلوم أَن مصابكم رجلا ... أهْدى السَّلَام تَحِيَّة ظلم)
فلحنت فِي نصب رجل فأصرت على أَن شيخها الْمَازِني لقنها إِيَّاه بِالنّصب، فَاسْتَحْضرهُ الواثق وَسَأَلَهُ أترفع رجلا من الْبَيْت الْمَذْكُور أم تنصبه؟ فَقَالَ: بل الْوَجْه النصب، لِأَن مصابكم مصدر بِمَعْنى أَصَابَتْكُم فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك: إِن ضربك زيدا ظلم بِدَلِيل أَن الْكَلَام مُعَلّق إِلَى أَن تَقول ظلم، فَأمر لَهُ الواثق بِأَلف دِينَار ورده مكرما، فَقَالَ: رددنا اللَّهِ مائَة فعوضنا ألفا. وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا توفّي الْمُنْتَصر بِاللَّه مُحَمَّد بن جَعْفَر