وَوصل عَمْرو مصر وقاتله أَصْحَاب مُحَمَّد بن أبي بكر فَهَزَمَهُمْ عَمْرو وتفرق عَن مُحَمَّد أَصْحَابه فَمشى مُحَمَّد حَتَّى انْتهى إِلَى خربة فَقبض عَلَيْهِ وَأتوا بِهِ مُعَاوِيَة بن خديج فَقتله فِي هَذِه السّنة وألقاه فِي جيفة حمَار وَأحرقهُ بالنَّار، وَدخل عَمْرو مصر وَبَايع أَهلهَا لمعاوية، وقنتت عَائِشَة فِي دبر كل صَلَاة تَدْعُو على مُعَاوِيَة وَعَمْرو بِسَبَب قتل أَخِيهَا مُحَمَّد، وجزع عَليّ لمقتله وَقَالَ: عِنْد اللَّهِ نحتسبه.
ثمَّ بَث مُعَاوِيَة سراياه على عُمَّال عَليّ، فَبعث النُّعْمَان بن بشير إِلَى عين النَّهر فنهب وَهزمَ من بهَا من أَصْحَاب عَليّ، وَبعث سُفْيَان بن عَوْف إِلَى هيت والأنبار فنهب وَرجع بِمَا بهَا من المَال إِلَى مُعَاوِيَة، وسير عبد اللَّهِ بن سعد الْفَزارِيّ إِلَى الْحجاز فَجهز عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ إِلَيْهِ خيلا فالتقوه بتيماء، فَانْهَزَمَ أَصْحَاب مُعَاوِيَة وَلَحِقُوا بِالشَّام؛ كل هَذَا وَعلي يخْطب الْخطب البليغة ويجتهد على الْخُرُوج لقِتَال مُعَاوِيَة وَعَسْكَره يتقاعد عَنهُ.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَثَلَاثِينَ: وَالْأَمر كَذَلِك.
وفيهَا: بعث عبد اللَّهِ بن عَبَّاس وَهُوَ عَامل الْبَصْرَة زيادا إِلَى فَارس، فَأصْلح مَا اخْتَلَّ مِنْهَا بِسَبَب قتال عَليّ وَمُعَاوِيَة وضبطها حَتَّى قَالَت الْفرس: مَا رَأينَا مثل سياسة أنوشروان إِلَّا سياسة هَذَا الْعَرَبِيّ.
ثمَّ دخلت سنة أَرْبَعِينَ: وكل وَاحِد من عَليّ وَمُعَاوِيَة يقنت وَيَدْعُو على الآخر وَأَصْحَابه.
وفيهَا: بعث مُعَاوِيَة بسر بن أَرْطَأَة فِي عَسْكَر إِلَى الْحجاز، فهرب أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ عَامل عَليّ على الْمَدِينَة وَلحق بعلي، وَسَفك بسر بهما الدِّمَاء واستكره النَّاس على بيعَة مُعَاوِيَة، ثمَّ سَار إِلَى الْيمن وَقتل ألوفا، فهرب مِنْهُ عبيد اللَّهِ بن الْعَبَّاس عَامل عَليّ بِالْيمن، فَوجدَ لِعبيد اللَّهِ ابْنَيْنِ صبيين فذبحهما وأتى بعظيمة فَقَالَت أمهما عَائِشَة بنت عبد اللَّهِ بن عبد المدان تبكيهما:
(هَا من أحسن ابْني اللَّذين هما ... كالدرتين تشظى عَنْهُمَا الصدف)
(هَا من أحسن ابْني اللَّذين هما ... قلبِي وسمعي فقلبي الْيَوْم يختطف)
(من دلّ والهة حرى مدلهمة ... على صبيين ذلا إِذْ غَدا السّلف)
(خبرت بسرا وَمَا صدقت مَا زَعَمُوا ... من إفكة وَمن القَوْل الَّذِي اقترفوا)
(مقتل عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ)
قيل: اجْتمع ثَلَاثَة من الْخَوَارِج وهم: عبد الرَّحْمَن بن ملجم الْمرَادِي وَعَمْرو بن بكير التَّمِيمِي والبرك بن عبد اللَّهِ التَّمِيمِي وَقيل: اسْمه الْحجَّاج، فَذكرُوا إخْوَانهمْ من المارقة المقتولين بالنهروان فَقَالُوا: لَو قتلنَا أَئِمَّة الضَّلَالَة أَرحْنَا مِنْهُم الْعباد، فَقَالَ ابْن ملجم: أَنا