(أرأس السبط ينْقل والسبايا ... يُطَاف بهَا وَفَوق الأَرْض رَأس)
(وَمَا لي غير هَذَا السَّبي ذخر؟ ... وَمَا لي غير هَذَا الرَّأْس رَأس)
وَالله اعْلَم.
ثمَّ قيل أَن رَأس الْحُسَيْن جهز إِلَى الْمَدِينَة وَدفن عِنْد أمه، وَقيل بِبَاب الفراديس، وَقيل أَن خلفاء مصر نقلوا من عسقلان رَأْسا إِلَى الْقَاهِرَة ودفنوه بهَا وبنوا لَهُ مشْهد الْحُسَيْن.
وَالصَّحِيح: أَن عمره رَضِي اللَّهِ عَنهُ وعنا بهم خمس وَخَمْسُونَ سنة وَأشهر، قيل أَنه حج خمْسا وَعشْرين حجَّة مَاشِيا، وَكَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة ألف رَكْعَة.
قلت: قَالَ صَاحب معالم الْإِسْلَام: رُوِيَ عَن أنس بن الْحَارِث أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن ابْني هَذَا - يَعْنِي الْحُسَيْن - يقتل بِأَرْض يُقَال لَهَا كربلا فَمن شهد ذَلِك مِنْكُم فلينصره "، فَخرج أنس بن الْحَارِث إِلَى كربلاء فَقتل مَعَ الْحُسَيْن رَضِي اللَّهِ عَنهُ.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَثَلَاث وَسِتِّينَ: فِيهَا اتّفق أهل الْمَدِينَة على خلع يزِيد، وأخرجوا نَائِبه عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي سُفْيَان مِنْهَا، فَجهز يزِيد جَيْشًا مَعَ مُسلم بن عقبَة وَأمره بِقِتَال أهل الْمَدِينَة فَإِذا ظفر بهَا أَبَاحَهَا للجند ثَلَاثَة أَيَّام يسفكون فِيهَا الدِّمَاء وَيَأْخُذُونَ الْأَمْوَال، وَأَن يبايعهم على أَنهم خول وَعبيد ليزِيد وَإِذا فرغ يسير إِلَى مَكَّة.
فَسَار مُسلم وَنزل الْمَدِينَة من جِهَة الْحرَّة فِي عشرَة آلَاف فَارس من أهل الشَّام، وأصر أهل الْمَدِينَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَغَيرهم على قِتَاله، وَعمِلُوا خَنْدَقًا واقتتلوا فَقتل الْفضل بن الْعَبَّاس، وَرَبِيعَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب، وَجَمَاعَة من الْأَشْرَاف وَالْأَنْصَار، ثمَّ انهزم أهل الْمَدِينَة، واستباح مُسلم الْمَدِينَة حسب وَصِيَّة يزِيد.
وَعَن الزُّهْرِيّ أَن قَتْلَى الْحرَّة كَانُوا سَبْعمِائة من وُجُوه النَّاس من قُرَيْش والمهاجرين وَالْأَنْصَار، وَعشرَة آلَاف من وُجُوه الموَالِي مِمَّن لَا يعرف.
وَكَانَت الْوَقْعَة لثلاث بَقينَ من ذِي الْحجَّة مِنْهَا، ثمَّ بَايع من بَقِي من النَّاس على أَنهم خول وَعبيد ليزِيد.
وَسَار إِلَى مَكَّة وَكَانَ مَرِيضا فَمَاتَ قبل وُصُوله، واستناب فِي الْجَيْش الْحصين بن نمير السكونِي فِي الْمحرم سنة أَربع وَسِتِّينَ، فَقدم الْحصين مَكَّة وحاصر عبد اللَّهِ بن الزبير أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى جَاءَهُم الْخَبَر بِمَوْت يزِيد بعد رمي الْبَيْت الْحَرَام بالمنجنيق وإحراقه بالنَّار.
وَلما علم الْحصين بِمَوْت يزِيد قَالَ لِابْنِ الزبير: من الرَّأْي أَن نَدع دِمَاء الْقَتْلَى بَيْننَا، وَأَقْبل لأبايعك واقدم إِلَى الشَّام، فَامْتنعَ ابْن الزبير من ذَلِك، فارتحل الْحصين رَاجعا إِلَى الشَّام، ثمَّ نَدم ابْن الزبير على عدم الْمُوَافقَة، وَسَار مَعَ الْحصين من كَانَ بِالْمَدِينَةِ من بني امية إِلَى الشَّام.
وفيهَا أَي سنة أَربع وَسِتِّينَ: توفّي يزِيد بحوارين - من عمل حمص - لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة