وَكَانَ عَارِفًا بالفقه على مَذْهَب أبي حنيفَة وَلَيْسَ عِنْده تعصب، بنى أسوار مدن الشَّام مثل دمشق وحمص وحماه وحلب وشيرز وبعلبك وَغَيرهَا لما هدمتها الزلازل، وَبنى الْمدَارِس الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة والمشاهد والرباطات، وَلَا يحْتَمل هَذَا الْمُخْتَصر ذكر فضائله.
وَلما توفّي قَامَ ابْنه الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بِالْملكِ بعده، وعمره إِحْدَى عشرَة سنة، وَحلف لَهُ الْعَسْكَر بِدِمَشْق وَأقَام بهَا وأطاعه صَلَاح الدّين، وخطب لَهُ بِمصْر، وَضرب السِّكَّة باسمه، ودبر دولته الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْملك الْمَعْرُوف بِابْن الْمُقدم. وَبلغ موت نور الدّين سيف الدّين غَازِي بن مودود بن زنكي، فَسَار من الْموصل وَملك الْبِلَاد الجزرية.
ثمَّ دخلت سنة سبعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا اجْتمع على رجل من أهل الصَّعِيد يُقَال لَهُ الْكَنْز جمع كثير، وَأظْهر الْخلاف على صَلَاح الدّين فَأرْسل إِلَيْهِ صَلَاح الدّين عسكراً، فَاقْتَتلُوا فَقتل الْكَنْز وَجَمَاعَة وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ، وفيهَا سلخ ربيع الأول.
ملك صَلَاح الدّين دمشق وحمص وحماه
وَسَببه أَن شمس الدّين ابْن الداية أرسل سعد الدّين كمشتكين يَسْتَدْعِي الْملك الصَّالح بن نور الدّين إِلَى حلب فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك، وَلما اسْتَقر بحلب وَتمكن كمشتكين قبض على ابْن الداية وَإِخْوَته، وعَلى الرئيس ابْن الخشاب وَإِخْوَته، واستبد كمشتكين بتدبير الْملك الصَّالح فخافه الْأُمَرَاء بِدِمَشْق فاستدعوا صَلَاح الدّين ليملكوه عَلَيْهِم فوصل إِلَيْهِم فِي جَرِيدَة سَبْعمِائة فَارس فالتقاه الْعَسْكَر وخدموه وَنزل بدار وَالِده أَيُّوب الْمَعْرُوفَة بدار العقيقي، وعصت عَلَيْهِ القلعة وفيهَا الْخَادِم ريحَان من جِهَة الصَّالح فاستماله فَسلم إِلَيْهِ القلعة فصعدها وَأخذ مَا فِيهَا من الْأَمْوَال وَقرر الْأُمُور واستخلف بهَا أَخَاهُ سيف الْإِسْلَام طغتكين، وَسَار إِلَى حمص مستهل جُمَادَى الأولى، وَكَانَت حمص وحماه وقلعة بارين وسلمية وتل خَالِد والرها فِي أقطاع فَخر الدّين مَسْعُود بن الزَّعْفَرَانِي، فَلَمَّا مَاتَ نور الدّين لم يُمكن مَسْعُود الْمقَام بحماه وحمص لسوء سيرته مَعَ النَّاس.
وَكَانَت هَذِه الْبِلَاد لَهُ ولنور الدّين فِي قلاعها نواب حكمهَا إِلَيْهِم إِلَّا بارين فَإِن قلعتها كَانَت لَهُ، وَنزل صَلَاح الدّين على حمص فِي حادي عشر جُمَادَى الأولى وَملك الْمَدِينَة وعصت عَلَيْهِ القلعة فَترك من يضيق عَلَيْهَا ورحل إِلَى حماه فَملك مدينتها مستهل جُمَادَى الْآخِرَة من هَذِه السّنة.
وَكَانَت بقلعتها الْأَمِير عز الدّين جرد بك النوري فَامْتنعَ فِي القلعة، فَذكر لَهُ صَلَاح