وَكَانَ عَامل رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على مَكَّة عتاب بن أسيد فاستخفى خوفًا على نَفسه فارتجت مَكَّة وَكَاد أَهلهَا يرتدون فَقَامَ سُهَيْل بن عَمْرو على بَاب الْكَعْبَة وَصَاح بِقُرَيْش وَغَيرهم فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أهل مَكَّة كُنْتُم آخر من أسلم فَلَا تَكُونُوا أول من ارْتَدَّ وَالله لَيتِمَّن اللَّهِ هَذَا الْأَمر كَمَا قَالَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَامْتنعَ أهل مَكَّة من الرِّدَّة
وَتَوَلَّى غسله عَليّ وَالْعَبَّاس وَالْفضل وَقثم ابْنا الْعَبَّاس وَأُسَامَة بن زيد وشقران مولى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَكَانَ الْعَبَّاس وابناه يقلبونه وَأُسَامَة وشقران يصبَّانِ المَاء وَعلي يغسلهُ وَعَلِيهِ قَمِيصه وَهُوَ يَقُول: بِأبي أَنْت وَأمي طبت حَيا وَمَيتًا وَلم ير مِنْهُ مَا يرى من الْمَيِّت.
وكفن فِي ثَلَاثَة اثواب ثَوْبَيْنِ صحاريين وَبرد حبرَة أدرج فِيهَا إدراجا وَدفن تَحت فرَاشه الَّذِي مَاتَ عَلَيْهِ وحفر لَهُ أَبُو طَلْحَة الأنصارى وَنزل فِي قَبره عَليّ وَالْفضل وَقثم.
قلت: وصلوا عَلَيْهِ أفذاذا، وَالله أعلم.
وَدفن قيل يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي يَوْم وَفَاته وَقيل لَيْلَة الْأَرْبَعَاء وَهُوَ الْأَصَح وَقيل بَقِي ثَلَاثًا لم يدْفن.
قلت: وسمعوا صَوتا من السَّمَاء بعد مَوته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُنَادي وامحمداه وَهَذِه مُصِيبَة أصيبها الْمُسلمُونَ لم يصابوا قطّ بِمِثْلِهَا كل مُصِيبَة تهون عِنْدهَا، وَالله أعلم.
(صفته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)
وَصفه عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير ضخم الرَّأْس كث اللِّحْيَة شثن الْكَفَّيْنِ والقدمين ضخم الكراديس مشربا وَجهه بحمرة وَقيل كَانَ أدعج الْعَينَيْنِ سبط الشّعْر سهل الْخَدين كَأَن عُنُقه إبريق فضه. وَقَالَ أنس لم يشنه اللَّهِ بالشيب
كَانَ فِي مقدم لحيته عشرُون شَعْرَة بَيْضَاء وَفِي مفرق رَأسه شَعرَات بيض وَرُوِيَ أَنه كَانَ يخضب بِالْحِنَّاءِ والكتم وَكَانَ بَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة وَهُوَ بضعَة نَاشِزَة حولهَا شعر مثل بَيْضَة الْحَمَامَة تشبه جسده وَقيل كَانَ لَوْنهَا أَحْمَر.
(خلقه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)
كَانَ أرجح النَّاس عقلا وأفضلهم رَأيا يكثر الذّكر ويقل اللَّغْو دَائِم الْبشر مطيل الصمت لين الْجَانِب سهل الْخلق، وَكَانَ عِنْده الْقَرِيب والبعيد وَالْقَوِي والضعيف فِي الْحق سَوَاء يحب الْمَسَاكِين وَلَا يحقر فَقِيرا لفقره وَلَا يهاب ملكا لملكه يؤلف قُلُوب أهل الشّرف ويؤلف أَصْحَابه وَلَا ينفرهُمْ.