وَاسْتقر فِي دَار الْملك بزبيد يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر رَجَب من هَذِه السّنة أَعنِي سنة أَربع وَخمسين وَخَمْسمِائة، وَبَقِي فِي الْملك شَهْرَيْن وَأحد عشر يَوْمًا، وَمَات فِي شَوَّال فَملك الْيمن ابْنه مهْدي ثمَّ ابْنه عبد النَّبِي بن مهْدي، ثمَّ خرجت المملكة عَن عبد النَّبِي الْمَذْكُور إِلَى أَخِيه عبد الله ثمَّ عَادَتْ إِلَى عبد النَّبِي وَاسْتمرّ إِلَى أَن فتح الْيمن توران شاه بن أَيُّوب من مصر سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة، وَأسر عبد النَّبِي وَهُوَ آخِرهم.
وَكَانَ مَذْهَب عَليّ بن مهْدي التَّكْفِير بِالْمَعَاصِي، وَقتل من يُخَالف اعْتِقَاده من أهل الْقبْلَة واستباحة وَطْء نِسَائِهِم، واسترقاق ذَرَارِيهمْ وَقتل من شرب الْخمر وَسمع الْغناء. وَكَانَ حَنَفِيّ الْفُرُوع، وَأَصْحَابه يَعْتَقِدُونَ فِيهِ فَوق مَا يَعْتَقِدهُ النَّاس فِي الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة:
ذكر مسير سُلَيْمَان شاه إِلَى هَمدَان وَقَتله
لما مَاتَ مُحَمَّد بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن ملكشاه أرْسلت الْأُمَرَاء وطلبوا عَمه سُلَيْمَان شاه بن مُحَمَّد بن ملكشاه ليولوه السلطنة، وَكَانَ قد اعتقل بالموصل مكرماً فجهزه قطب الدّين مودود بن زنكي صَاحب الْموصل بجهاز يَلِيق بالسلطنة، وَسَار مَعَه زين الدّين عَليّ كجك بعسكر الْموصل إِلَى هَمدَان وَأَقْبَلت العساكر إِلَيْهِم، وَكَانَ عِنْد سُلَيْمَان تهور وإدمان شرب حَتَّى فِي رَمَضَان فَأَهْمَلَهُ الْعَسْكَر وصاروا لَا يحْضرُون بَابه، وَكَانَ قد رد الْأُمُور إِلَى شرف الدّين كردبازو من مَشَايِخ الخدام السلجوقية وَعِنْده دين وتدبير، فَشرب سُلَيْمَان يَوْمًا بالكشك ظَاهر هَمدَان فَحَضَرَ كردبازو ولامه فكشف بعض مساخر سُلَيْمَان لَهُ سوأته فحقد كردبازو وَعمل لَهُ دَعْوَة عَظِيمَة فِي دَاره وَقَبضه فِيهَا وحبسه مُدَّة ثمَّ أرسل إِلَيْهِ من خنقه، وَقيل سمه فَلَمَّا مَاتَ سَار إيلدكر فِي عشْرين ألفا وَمَعَهُ أرسلان شاه بن طغرل بك بن مُحَمَّد بن ملكشاه بن ألب أرسلان وَوصل هَمدَان فَلَقِيَهُ كردبازو وأنزله فِي دَار المملكة، وخطب لَهُ بالسلطنة وَكَانَ لأيلدكر من أم أرسلان شاه أَوْلَاد مِنْهُم البهلوان مُحَمَّد وقزل أرسلان عُثْمَان فبقى أيلدكر أتابك أرسلان والبهلوان أَخُو أرسلان لامه حَاجِبه، وَهَذَا أيلدكر كَانَ قد اشْتَرَاهُ السُّلْطَان مَسْعُود ثمَّ أقطعه أران من بِلَاد أذربيجان فَعظم، وَلما خطب لأرسلان شاه فِي تِلْكَ الْبِلَاد طلب ايلدكر أَن يخْطب لَهُ أَيْضا بِبَغْدَاد على عَادَة السلجوقية فَلم يجب إِلَى ذَلِك.
وفيهَا: توفّي الفائز بنصر الله أَبُو الْقَاسِم عِيسَى بن إِسْمَاعِيل الظافر خَليفَة مصر، وخلافته سِتّ سِنِين وَنَحْو شَهْرَيْن، ولي وعمره خمس سِنِين، وَلما مَاتَ دخل الصَّالح بن زريك الْقصر وَسَأَلَ عَمَّن يصلح فأحضر لَهُ مِنْهُم إِنْسَان كَبِير السن فَقَالَ بعض أَصْحَاب الصَّالح لَهُ: لَا يكون عَبَّاس أحزم مِنْك حَيْثُ اخْتَار الصَّغِير فأحضر العاضد لدين الله أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن الْأَمِير يُوسُف بن الْحَافِظ مراهقاً، وَبَايع لَهُ وزوجه الصَّالح ابْنَته وَنقل مَعهَا مَا لَا سمع بِمثلِهِ.