ثمَّ دخلت سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة: رَجَعَ الْكَامِل من الشرق إِلَى مصر وَرجع كل ملك إِلَى بَلَده.
اسْتِيلَاء الْعَزِيز بن الظَّاهِر على شيزر
كَانَت شيزر شهَاب الدّين يُوسُف بن مَسْعُود بن عُثْمَان بن الداية وَعُثْمَان هَذَا وَإِخْوَته من أكَابِر أُمَرَاء نور الدّين بن زنكي.
ثمَّ اعتقل الصَّالح إِسْمَاعِيل بن نور الدّين سَابق الدّين عُثْمَان الْمَذْكُور وشمس الدّين أَخَاهُ، فَجعل صَلَاح الدّين ذَلِك حجَّة لقصد الشَّام وانتزاعه من الصَّالح، فاتصل أَوْلَاد الداية بِخِدْمَة صَلَاح الدّين أُمَرَاء، وَأقر صَلَاح الدّين عُثْمَان على أقطاعه سيزر وزاده أَبَا قبيس لما قتل صَاحبهَا خمار دُكَيْن.
ثمَّ ملك شيزر بعده ابْنه مَسْعُود بن عُثْمَان حَتَّى مَاتَ وَصَارَت لِابْنِهِ شهَاب الدّين يُوسُف إِلَى هَذِه السّنة، فَسَار الْعَزِيز بِأَمْر الْكَامِل وحاصرها وساعده المظفر صَاحب حماه، فسلمها شهَاب الدّين إِلَى الْعَزِيز، وَنزل إِلَيْهِ وهنأه يحيى بن خَالِد القيسراني بقوله:
(يَا مَالِكًا عَم أهل الأَرْض نائلة ... وَخص إحسانه الداني مَعَ القَاضِي)
(لما رَأَتْ شيزر آيَات نصرك فِي ... أرجائها أَلْقَت العَاصِي إِلَى العَاصِي)
قلت:
(وحاصرها الْعَزِيز حِصَار فتح ... وَعز بِأَخْذِهِ الْحصن المنيعا)
(وظنوا بالعزيز الْعَجز عَنْهَا ... فجَاء إِلَيْهِ عاصيها مُطيعًا)
وَالله أعلم.
وفيهَا: حاصر المظفر صَاحب حماه أَخَاهُ النَّاصِر ببارين بِأَمْر الْعَادِل خوفًا من أَن يُسَلِّمهَا للفرنج لضَعْفه عَنْهُم، وانتزعها مِنْهُ وأكرمه وَسَأَلَهُ الْإِقَامَة عِنْده بحماه، فَامْتنعَ وَسَار إِلَى مصر فأقطعه الْكَامِل إقطاعاً جَلِيلًا، وَأطلق لَهُ أَمْلَاك جده بِدِمَشْق ثمَّ بدا مِنْهُ كَلَام فاعتقله الْكَامِل إِلَى أَن مَاتَ النَّاصِر قلج أرسلان سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة قبل موت الْكَامِل بأيام.
وفيهَا: توفّي مظفر الدّين كوكبوري بن زين الدّين عَليّ كجك وَلم يكن لَهُ ولد، فوصى ببلاده للخليفة الْمُسْتَنْصر فتسلمها بعده، وَكَانَ عسوفاً فِي اسْتِخْرَاج المَال، ويحتفل بمولده النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَينْفق عَلَيْهِ الْأَمْوَال الجليلة.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة: فِيهَا فِي الْمحرم توفّي شهَاب الدّين طغرل بك الأتابك بحلب.
قلت: وَله أوقاف مبرورة وواقعته مَعَ الشَّيْخ نَبهَان بن غيار الحبريني العَبْد الصَّالح مَشْهُورَة، وَالله أعلم.