الْمُخْتَار فِي قصر الْإِمَارَة بِالْكُوفَةِ، ودخلها مُصعب وحاصر الْمُخْتَار فقاتل الْمُخْتَار حَتَّى قتل فِي رَمَضَان مِنْهَا وعمره سبع وَسِتُّونَ، ثمَّ نزل أَصْحَابه على حكم مُصعب فَقتل الْكل وَكَانُوا سَبْعَة آلَاف.
وفيهَا - وَقيل سنة إِحْدَى وَسبعين، وَقتل تسع وَسِتِّينَ، وَقيل ثَمَان وَسِتِّينَ - توفّي بِالْكُوفَةِ الْأَحْنَف أَبُو بَحر الضَّحَّاك بن قيس بن مُعَاوِيَة بن حُصَيْن بن عبَادَة؛ يضْرب الْمثل بحلمه، سيد قومه مَوْصُوف بِالْعقلِ وَالْعلم والدهاء والذكاء؛ أدْرك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يَصْحَبهُ، ووفد على عمر فَكَانَ من كبار التَّابِعين، وَشهد مَعَ عَليّ صفّين وَلم يشْهد وقْعَة الْجمل مَعَ أحد الْفَرِيقَيْنِ، كَانَ أحنف الرجل يطَأ على جَانبهَا الوشحي، حضر الْأَحْنَف عِنْد مُعَاوِيَة فَقَامَ شَامي خَطِيبًا وَلعن عليا رَضِي اللَّهِ عَنهُ فِي آخر كَلَامه، فَقَالَ الْأَحْنَف: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن هَذَا الْقَائِل لَو يعلم أَن رضاك فِي لعن الْمُرْسلين للعنهم فَاتق اللَّهِ ودع عَنْك عليا فقد لَقِي ربه وأفرد فِي قَبره، وَكَانَ وَالله الميمونة نقيبتة، الْعَظِيمَة مصيبته. فَقَالَ مُعَاوِيَة يَا أحنف لقد أغضيت الْعين على القذى فأيم اللَّهِ لتصعدن الْمِنْبَر ولتلعنته طَوْعًا أَو كرها، فَقَالَ الْأَحْنَف أَو تعفيني فَهُوَ خير لَك، فألح عَلَيْهِ مُعَاوِيَة، فَقَالَ الْأَحْنَف: أما وَالله لأنصفنك فِي القَوْل، قَالَ: وَمَا أَنْت قَائِل؟ قَالَ: أَحْمد اللَّهِ بِمَا هُوَ اهله وأصلي على رَسُوله وَأَقُول: أَيهَا النَّاس إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ مُعَاوِيَة أَمرنِي أَن ألعن عليا، أَلا وَأَن عليا وَمُعَاوِيَة اخْتلفَا فاقتتلا وأدعى كل مِنْهُمَا أَنه مبغي عَلَيْهِ فَإِذا دَعَوْت فَأمنُوا ثمَّ أَقُول: اللَّهُمَّ الْعَن أَنْت وملائكتك ورسلك وَجَمِيع خلقك الْبَاغِي مِنْهُمَا على صَاحبه والعن الفئة الباغية اللَّهُمَّ العنهم لعنا كثيرا أمنُوا رحمكم اللَّهِ، يَا مُعَاوِيَة أقوله وَلَو كَانَ فِيهِ ذهَاب رحي، فأعفاه مُعَاوِيَة من ذَلِك.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ: فِيهَا توفّي عبد اللَّهِ بن عَبَّاس رَضِي اللَّهِ عَنْهُمَا بِالطَّائِف فصلى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن الحنيفة، كَانَ ابْن الحنيفة مُقيما بِالطَّائِف إِلَى أَن قدم الْحجَّاج بن يُوسُف الْحجاز. ومولد ابْن عَبَّاس قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين، دَعَا لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه الْكتاب والتاويل "، وَكَانَ عمر رَضِي اللَّهِ عَنهُ يُسَمِّيه تَارَة الْبَحْر، وَتارَة الحبر، لعلومه.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَسِتِّينَ: وَمَا بعْدهَا إِلَى سنة إِحْدَى وَسبعين فِيهَا تجهز عبد الْملك إِلَى الْعرَاق، وتجهز مُصعب بن الزبير لملتقاه، وَأَقْبل الْجَمْعَانِ فتخلى الْعِرَاقِيُّونَ عَن مُصعب وَكَانُوا قد كاتبوا عبد الْملك، فقاتل مُصعب حَتَّى قتل هُوَ وَولده بدير الجاثليق عِنْد نهر دجيل فِي جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا وعمره سِتّ وَثَلَاثُونَ سنة، كَانَ صديق عبد الْملك قبل خِلَافَته، وَتزَوج مُصعب سكينَة بنت الْحُسَيْن وَعَائِشَة بنت طَلْحَة مَعًا. ثمَّ دخل عبد الْملك الْكُوفَة وبويع واستوثق لَهُ ملك الْعِرَاقِيّين.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين: فِيهَا جهز عبد الْملك الْحجَّاج بن يُوسُف فِي جَيش إِلَى مَكَّة لقِتَال عبد اللَّهِ بن الزبير، فَسَار فِي جُمَادَى الأولى مِنْهَا وَنزل الطَّائِف وَجَرت بَينه