بهَا ثمَّ اسْتعْمل عَليّ زيادا على فَارس وَلما سلم الْحسن الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة منع زِيَاد بِفَارِس الطَّاعَة فأهم مُعَاوِيَة أمره خوفًا أَن يَدْعُو إِلَى أحد من بني هَاشم فَيُعِيد الْحَرْب وَقدم الْمُغيرَة عَامل مُعَاوِيَة بِالْكُوفَةِ على مُعَاوِيَة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين فَشكى إِلَيْهِ امْتنَاع زِيَاد بِفَارِس فَتوجه الْمُغيرَة بأمانه إِلَى زِيَاد فَأحْضرهُ وَبَايع مُعَاوِيَة وَفِي سنة أَربع وَأَرْبَعين استلحق مُعَاوِيَة زيادا وَأعظم النَّاس ذَلِك خُصُوصا بَنو أُميَّة حَتَّى قَالَ عبد الرَّحْمَن أَخُو مَرْوَان بن الحكم فِي ذَلِك:
(أَلا بلغ مُعَاوِيَة بن حَرْب ... مغلغلة عَن الرجل الْيَمَانِيّ)
(أتغضب أَن يُقَال أَبوك عف ... وترضى أَن يُقَال أَبوك زاني)
(واشهد أَن رَحِمك من زِيَاد ... كرحم الْفِيل من ولد الأتان)
قلت: وَفِي تَارِيخ ابْن خلكان أَن الأبيات ليزِيد بن مُفَرع، وَالله أعلم.
ثمَّ ولى مُعَاوِيَة زيادا الْبَصْرَة مَعَ خُرَاسَان وسجستان ثمَّ الْهِنْد والبحرين.
وفيهَا توفيت أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَأَرْبَعين: فِيهَا قدم زِيَاد إِلَى الْبَصْرَة فأكد الْملك لمعاوية وَتُوفِّي الْمُغيرَة سنة خمسين فأضاف مُعَاوِيَة الْكُوفَة إِلَى زِيَاد أَيْضا وَهُوَ أول من سير بَين يَدَيْهِ بالحراب والعمد وَاتخذ الحرس خَمْسمِائَة وَسَب زِيَاد عليا كَمَا كَانَت عَادَتهم فَقَامَ حجر بن عدي وأثني على عَليّ فأوثقه وجهزه إِلَى مُعَاوِيَة.
وروى ابْن الْجَوْزِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ مَا مَعْنَاهُ أَنه استفظع من مُعَاوِيَة أَخذه الْخلَافَة بِلَا مُشَاورَة واستخلافه يزيدا واستلحاقه زيادا وَقَتله حجر بن عدي وَأَصْحَابه وَكَانَ حجر من أعظم النَّاس دينا قتل بعذراء ظَاهر دمشق.
وفيهَا توفّي عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد مَال أهل الشَّام إِلَيْهِ، فَقيل إِن مُعَاوِيَة دس إِلَيْهِ سما مَعَ نَصْرَانِيّ يُقَال لَهُ أَثَال.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسنة سبع وَأَرْبَعين: فِيهَا توفّي قيس بن عَاصِم بن سِنَان بن خَالِد بن منقر؛ وَفد على النَّبِي فِي بني تَمِيم فَأسلم وَكَانَ قيس مَوْصُوفا بمكارم الْأَخْلَاق.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَأَرْبَعين: فِيهَا بعث مُعَاوِيَة جَيْشًا مَعَ سُفْيَان بن عَوْف فحاصروا الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَمن الْجَيْش ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن الزبير وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَتُوفِّي هَذَا وَدفن قَرِيبا من سورها شهد أحدا وبدرا وَمَعَ عَليّ صفّين وَغَيرهَا.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَأَرْبَعين وَسنة خمسين: فِيهَا بنيت القيروان وكملت سنة خمس وَخمسين كَانَت أجمة مشتبكة فبناها عقبَة بن نَافِع الصَّحَابِيّ عَامل مُعَاوِيَة على إفريقية وفيهَا توفّي دحْيَة بن خَليفَة بن فَرْوَة بن فضَالة الْكَلْبِيّ من كلب بن وبرة أسلم قَدِيما وَلم يشْهد بَدْرًا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أشبه من رَأَيْت بِجِبْرِيل دحْيَة الْكَلْبِيّ ".