عَنهُ مَا شَاهد من كراماته فِي النّوم أَو الْيَقَظَة حَتَّى لقد حكى لي من أَثِق بِهِ من أَصْحَابِي وأقاربي أَنهم زاروا قَبره مرّة ثمَّ حصل من بَعضهم على بعض بِحَضْرَتِهِ سوء أدب وتلاعب فغشيهم مَا كَادُوا يهْلكُونَ بِهِ حَتَّى أيقنوا بِالْمَوْتِ وَلَكنهُمْ بَادرُوا إِلَى الإستغفار والبكاء والندامة حَتَّى سرى عَنْهُم ذَلِك.
وزرت أَنا قَبره بالدير مرَارًا فَرَأَيْت عِنْده كتابا كَبِيرا يشْتَمل على أخباره الْحَسَنَة وَسيرَته الجميلة وفضله وعدله رَحْمَة اللَّهِ عَلَيْهِ.
وَمِمَّا يتعجب مِنْهُ أَن الشريف الرضي رثى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن عبد الْعَزِيز بقوله:
(دير سمْعَان لَا عدتك الغوادي ... خير ميت من آل مَرْوَان ميتك)
(يَا ابْن عبد الْعَزِيز لَو بَكت الْعين ... فَتى من أُميَّة لبكيتك)
(أَنْت طهرتنا من السَّبَب والشتم ... فَلَو أمكن الْجَزَاء جزيتك)
(ولعمري لقد زكوت وَقد طبت ... وَإِن لم يطب وَلم يزك بَيْتك)
ورثى أَبَا إِسْحَاق الصابي الْكَافِر بقصيدة طنانة أَولهَا:
(أعلمت من حملُوا على الأعواد ... أَرَأَيْت كَيفَ خبا ضِيَاء الْوَادي)
فَلَا جرم قلت أَنا:
(أَقْسَمت مَا قَول الرضي بمرتضى ... فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقد يزل الْعَاقِل)
(أبمثل ذَا يرثى كفور صابىء ... وبمثل ذَا يرثى الإِمَام الْعَادِل)
وَالله أعلم.
قيل أَن بني أُميَّة خَافُوا إِن أمتدت أَيَّامه أَن يخرج الْأَمر عَنْهُم إِلَى من يصلح فَسَموهُ
وَولد بِمصْر سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ، وخلافته سنتَانِ وَخَمْسَة أشهر، وعمره أَرْبَعُونَ سنة وَأشهر، رمحته دَابَّة وَهُوَ غُلَام فشجت وَجهه فدعي بالأشج، وَكَانَ متحريا سنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين.
(أَخْبَار يزِيد بن عبد الْملك)
وَلما مَاتَ عمر بن عبد الْعَزِيز بُويِعَ يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان بالخلافة وَهُوَ تاسعهم، وَأمه عَاتِكَة بنت يزِيد بن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، عهد إِلَيْهِ سُلَيْمَان بن عبد الْملك بعد عمر.
وَفِي أَيَّام يزِيد هَذَا خرج يزِيد ابْن الْمُهلب بن أبي صفرَة بِجمع، فَأرْسل يزِيد بن عبد الْملك أَخَاهُ مسلمة فقاتله، وَقتل ابْن الْمُهلب وَجَمِيع آل الْمُهلب الْمَشْهُورين بِالْكَرمِ والشجاعة، وَفِيهِمْ يَقُول الشَّاعِر:
(نزلت على آل الْمُهلب شاتيا ... غَرِيبا عَن الأوطان فِي زمن الْمحل)
(فَمَا زَالَ بِي إحسانهم وافتقادهم ... وبرهم حَتَّى حسبتهم أَهلِي)