ثمَّ دخلت سنة سبع وَسنة ثَمَان وَتِسْعين فِيهَا: خرج سُلَيْمَان بالجيوش وَنزل بمرج دابق، وَبعث أَخَاهُ مسلمة إِلَى قسطنطينية وَقَالَ: أقِم عَلَيْهَا تفتحها فشتى عَلَيْهَا وَزرع النَّاس بهَا الزَّرْع وأكلوه، وَأقَام مسلمة قاهرا لَهُم حَتَّى تفتحها جَاءَهُ الْخَبَر بِمَوْت أَخِيه سُلَيْمَان.
وفيهَا: فتح يزِيد بن الْمُهلب بن أبي صفرَة عَامل سُلَيْمَان على خُرَاسَان جرجان وطبرستان.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَتِسْعين: فِيهَا: فِي صفر توفّي سُلَيْمَان بن عبد الْملك بدابق من أَرض قنسرين مرابطا وَأَخُوهُ مسلمة منَازِل قسطنطينية، كَانَ سُلَيْمَان أسمر طَويلا جميلا بِهِ عرج حسن السِّيرَة مُغْرِي بِالنسَاء وَالْأكل، قيل أكل مرّة سبعين رمانة وجديا وست دجاجات وَكَثِيرًا من الزَّبِيب ثمَّ نَام، وانتبه فَأتوهُ بالغداء فَأكل على عَادَته.
وَقيل إِن سَبَب مَوته أَن نصراينا أَتَاهُ بدابق بزنبليين مملوءين تينا وبيضا فَأكل بيضه وتينة وَكَذَا حَتَّى فرغا، ثمَّ أَتَوْهُ بمسح وسكر فاتخم فَمَاتَ، وَصلى عَلَيْهِ عمر بن عبد الْعَزِيز وَكَانَ غيورا أَمر بخصي المخنثين بِالْمَدِينَةِ، فخصاهم عَامله أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عمر الْأنْصَارِيّ.
وَلما اشْتَدَّ مرض سُلَيْمَان بدابق أوصى بالخلافة لعمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف ثامن خلفائهم وَأمه بنت عَاصِم بن عمر بن الْخطاب.
(أَخْبَار عمر بن عبد الْعَزِيز)
وبويع عمر بن عبد الْعَزِيز بالخلافة أَوَائِل سنة تسع وَتِسْعين، فَأبْطل سبّ عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنهُ على المنابر وَكتب إِلَى نوابه بإبطاله، وَلما خطب يَوْم الْجُمُعَة أبدل السب فِي الْخطْبَة بقوله تَعَالَى: {إِن اللَّهِ يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وإيتاء ذِي الْقُرْبَى وَينْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي ويعظكم لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ} ، فاستمر الخطباء على قراءاتها، ومدحه كثير بن عبد الرَّحْمَن الْخُزَاعِيّ فَقَالَ:
(وليت فَلم تَشْتُم عليا وَلم تخف بريا وَلم ... تتبع سجية مجرم)
(وَقلت فصدقت الَّذِي قلت بِالَّذِي ... فعلت فأضحى رَاضِيا كل مُسلم)
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَمِائَة فِيهَا: توفّي عمر بن عبد الْعَزِيز لخمس بَقينَ من رَجَب بخناصرة وَدفن بدير سمْعَان، وَقيل توفّي بدير سمْعَان وَدفن بِهِ، قَالَ القَاضِي جمال الدّين بن وَاصل: الظَّاهِر عِنْدِي أَن دير سمْعَان هُوَ الْمَعْرُوف الْآن بدير النقيرة من عمل معرة النُّعْمَان وَأَن قَبره هُوَ هَذَا الْمَشْهُور.
قلت: وَبِه أَقُول، فَإِنِّي رَأَيْت كتاب تَارِيخ لِابْنِ الْمُهَذّب المعري من جباة أبي الْعَلَاء يذكر فِيهِ أَن هَذَا الدَّيْر الْمَذْكُور اسْمه دير سمْعَان، وَلَقَد رَأَيْت كثيرا من أهل المعرة يَحْكِي