(إِن بَكَى يحِق لَهُ ... لَيْسَ مَا بِهِ لعب)
(تضحكين لاهية ... والمحب ينتحب)
(تعجبين من سقمي ... صحتي هِيَ الْعجب)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة: فِيهَا أَمر الْمَأْمُون أَن يخْطب لَهُ بأَمْره الْمُؤمنِينَ لما تحقق قتل ابْن ماهان، وَعقد للفضل بن سهل على الْمشرق من جبل هَمدَان إِلَى الْبَيْت طولا وَمن بَحر فَارس إِلَى بَحر الديلم عرضا ولقبه ذَا الرياستين رياسة السَّيْف والقلم، وَولى الْحسن بن سهل ديوَان الْخراج، ثمَّ استولى طَاهِر على الأهواز ثمَّ وَاسِط ثمَّ الْمَدَائِن وَنزل صَرْصَر.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة: فِيهَا حاصر طَاهِر وهرثمة بعسكر الْمَأْمُون صحبتهما بَغْدَاد وحصروا الْأمين، وَوَقع فِيهَا النهب والحريق وَمنعُوا الْميرَة، وَاشْتَدَّ الْحَال إِلَى خروجهما.
وفيهَا: توفّي إِبْرَاهِيم بن الْأَغْلَب عَامل إفريقيا، فَقَامَ بعده ابْنه أَبُو الْعَبَّاس عبد اللَّهِ.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة: فِيهَا هجم طَاهِر بَغْدَاد بعد قتال وَأخذ الْأمين أمه وَأَوْلَاده وتحصن بالمنصورة، وتفرق عَنهُ جنده فحصر، ثمَّ خرج لَيْلًا وَعَلِيهِ ثِيَاب بيض وطيلسان أسود وَركب مَعَ هرثمة فِي حراقة فأحتضنه هرثمة وكبل يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، ثمَّ شدوا عَلَيْهِ فغرقوها بِهِ، فشق الْأمين ثِيَابه فاستخرجه رجل من المَاء وَعَلِيهِ سَرَاوِيل وعمامة لَا غير، وَأرْسل إِلَيْهِ طَاهِر من الْعَجم من قَتله ونصبوا رَأسه على برج بِبَغْدَاد، ثمَّ أرسل بِهِ إِلَى الْمَأْمُون وَأرْسل الْبردَة والقضيب، وَصلى طَاهِر بِالنَّاسِ الْجُمُعَة وخطب لِلْمَأْمُونِ، وَكَانَ قَتله لست بَقينَ من الْمحرم وخلافته أَربع سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَكسر، وعمره ثَمَان وَعِشْرُونَ سنة، كَانَ سبطا أنزع صَغِير الْعَينَيْنِ أقنى جميلا طَويلا منهمكا فِي اللَّذَّات محتجبا عَن إخْوَته وَأهل بَيته، قسم الْأَمْوَال والجواهر فِي خواصه، وَعمل خمس حراقات على صُورَة الْأسد والفيل وَالْعِقَاب والحية وَالْفرس بِمَال عَظِيم، وَذكر ذَلِك أَبُو نواس فَقَالَ:
(سخر اللَّهِ للأمين مطايا ... لم تسخر لصَاحب الْمِحْرَاب)
(فَإِذا مَا ركابه سرن برا ... سَار فِي المَاء رَاكِبًا لَيْث غَابَ)
(عجب النَّاس إِذْ رأوك عَلَيْهِ ... كَيفَ لَو أبصروك فَوق الْعقَاب)
(ذَات ظفر ومنسر وجناحين ... تشق الْعباب بعد الْعباب)
(أَخْبَار الْمَأْمُون بن الرشيد)
وَلما قتل الْأمين تمكن الْمَأْمُون فِي الْمشرق وَالْمغْرب وَهُوَ سابعهم، فولى الْحسن بن سهل أَخا الْفضل بن سهل الْجبَال وَالْعراق وَفَارِس والأهواز والحجاز واليمن.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة: فِيهَا ظهر ابْن طَبَاطَبَا الْعلوِي إِبْرَاهِيم بن