ثمَّ دخلت سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا توفّي المعتصم أَبُو إِسْحَاق مُحَمَّد بن هَارُون لثماني عشرَة لَيْلَة مَضَت من ربيع الأول بسامراء وخلافته تسع سِنِين وَثَمَانِية أشهر ويومان، ومولده سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة، وكما أَنه ثامن الْخُلَفَاء فَهُوَ الثَّامِن من ولد الْعَبَّاس وَله ثَمَانِيَة بَنِينَ وثماني بَنَات، وَكَانَ أَبيض أصهب اللِّحْيَة طويلها مربوعا مشربا بحمرة أول من أضيف إِلَى لقبه اسْم اللَّهِ تَعَالَى من الْخُلَفَاء طيب الْخلق وَإِذا غضب لَا يُبَالِي بِمَا فعل، رأى يَوْمًا وَهُوَ مُنْفَرد حمَار شيخ علق فِي الوحل وَوَقع حمله فَنزل المعتصم وخلص الْحمار وَأعْطى صَاحبه أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم، وَقَالَ ابْن أبي داؤد: تصدق المعتصم ووهب على يَدي مائَة ألف دِرْهَم.
(أَخْبَار الواثق بن المعتصم)
وبويع الواثق تاسعهم هَارُون بن المعتصم يَوْم وَفَاة أَبِيه، وَأم الواثق قَرَاطِيس أَو ولد رُومِية.
وفيهَا: هلك نوفيل ملك الرّوم، وملكت بعده امْرَأَته بدورة وَابْنهَا مِنْهُ ميخائيل.
وفيهَا: توفّي بشر بن الْحَارِث الزَّاهِد الْمَعْرُوف بالحافي فِي ربيع الأول.
ثمَّ دخلت سنة وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا فتح الْمُسلمُونَ أَمَاكِن من جَزِيرَة صقلية وأمير صقلية مُحَمَّد بن عبد اللَّهِ بن الْأَغْلَب مُقيم فِي بلزم يُجهز الجيوش فَيفتح ويغنم، وإمارته على صقلية تسع عشرَة سنة، وَتُوفِّي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ.
وفيهَا: مَاتَ أَبُو تَمام حبيب بن أَوْس الطَّائِي الشَّاعِر
قلت: وقبره بالموصل، وَهُوَ جَامع الحماسة قصد الْبَصْرَة فخشي عبد الصَّمد بن الْمعدل الشَّاعِر بهَا من انصراف النَّاس عَنهُ إِلَى أبي تَمام فَكتب إِلَيْهِ:
(أَنْت بَين اثْنَتَيْنِ تبرز للنَّاس ... وكلتاهما بِوَجْه مذال)
(لست تنفك راجيا لوصال ... من حبيب أَو طَالبا لنوال)
(أَي مَاء يبْقى لوجهك قل لي ... بَين ذل الْهوى وذل السُّؤَال)
فَأَضْرب أَبُو تَمام عَن مقْصده وَرجع وَقَالَ: قد شغل هَذَا مَا يَلِيهِ فَلَا حَاجَة لنا فِيهِ، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا صادر الواثق الْكتاب.
وفيهَا: توفّي خلف بن هِشَام الْبَزَّار الْمقري، وَالْبَزَّار: بالزاي ثمَّ الرَّاء.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا مَاتَ عبد اللَّهِ بن طَاهِر بنيسابور وَهُوَ أَمِير خُرَاسَان وعمره ثَمَان وَأَرْبَعُونَ، فَأَقَامَ الواثق ابْنه طَاهِرا مَوْضِعه.
وفيهَا: خرجت الْمَجُوس من أقاصي الأندلس فِي الْبَحْر إِلَى بِلَاد الْمُسلمين وَجَرت بالأندلس وقائع انهزم فِيهَا الْمُسلمُونَ، فَلَمَّا دخلُوا حَاضِرَة أشبيلية وافاهم عبد الرَّحْمَن الْأمَوِي صَاحب الأندلس والمسلمون من كل جِهَة فَانْهَزَمَ الْمَجُوس وغنم الْمُسلمُونَ أَرْبَعَة مراكب بِمَا فِيهَا، وَعَاد الْمَجُوس إِلَى بِلَادهمْ.