وَطرح الْقَتْلَى فِي بِئْر زَمْزَم وَدفن البَاقِينَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ قتلوا، وَأخذ كسْوَة الْبَيْت فَقَسمهَا بَين أَصْحَابه.
قلت: وَيُقَال: أَنه لما أَخذ الْحجر الْأسود قَالَ: هَذَا مغناطيس بني آدم وَهُوَ يجرهم إِلَى مَكَّة وَأَرَادَ أَن يحول الْحَج إِلَى الإحساء فَعَلَيهِ لعنة اللَّهِ، وَكَانَ يحكم التركي أَمِير بَغْدَاد وَالْعراق فبذل لَهُم فِي رد الْحجر خمسين ألف دِينَار فَمَا فعلوا، وَالله أعلم.
وفيهَا: وَقع بسببب تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {عَسى رَبك أَن يَبْعَثك مقَاما مَحْمُودًا} بِبَغْدَاد فتْنَة عَظِيمَة بَين الْحَنَابِلَة وَغَيرهم دخل فِيهَا الْجند والعامة وَقتل بَينهم كثير، قَالَ أَبُو بكر الْمروزِي الْحَنْبَلِيّ: إِن معنى ذَلِك أَن اللَّهِ تَعَالَى يقْعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَه على الْعَرْش، وَقَالَت الطَّائِفَة الْأُخْرَى: إِنَّمَا هِيَ الشَّفَاعَة.
وفيهَا: توفّي مُحَمَّد بن جَابر بن سِنَان الْحَرَّانِي الأَصْل البتاني الحاسب المنجم صَاحب الزيج الصابي لَهُ الأرصاد المتقنة، ابْتَدَأَ بالرصد سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ إِلَى سنة سِتّ وثلثمائة وَأثبت الْكَوَاكِب الثابته فِي زيجه لسنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وزيجه نسختان الثَّانِيَة أَجود. والبتاني - بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَقد تكسر - نِسْبَة إِلَى بتان نَاحيَة من عمل حران.
وفيهَا: توفّي نصر بن أَحْمد بن نصر الْبَصْرِيّ الخبزرزي نِسْبَة إِلَى بيع خبز الْأرز بَاعه بمربد الْبَصْرَة، الشَّاعِر الراوية الأديب كَانَ أُمِّيا لَا يتهجى وَمن شعره:
(خليلي هَل أبصرتما أَو سمعتما ... بِأَفْضَل من مولى تمشى إِلَى عبد)
(أَتَى زائري من غير وعد وَقَالَ لي ... أَجلك من تَعْلِيق قَلْبك بالوعد)
(فَمَا زَالَ نجم الْوَصْل بيني وَبَينه ... يَدُور بأفلاك السَّعَادَة والسعد)
(فطورا على تَقْبِيل نرجس نَاظر ... وطورا على تَقْبِيل تفاحة الخد)
قلت: وَلَقَد صدق الخبزرزي فِي قَوْله:
(وَكَانَ الصّديق يزور الصّديق ... لشرب المدام وعزف الأغاني)
(فَصَارَ الصّديق يزور الصّديق ... لبث الهموم وشكوى الزَّمَان)
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان عشرَة وثلثمائة: فِيهَا استطالت الرجالة المصافية بِإِعَادَة المقتتدر واقتتلوا هم والجند فهربت الرجالة إِلَى وَاسِط واستولوا عَلَيْهَا، فَتَبِعهُمْ مؤنس الْخَادِم وَقتل مِنْهُم وشردهم عَنْهَا.
وفيهَا: وَقيل فِي تلوها: توفّي أَبُو بكر بن الْحسن بن عَليّ بن أَحْمد بن يسَار الْمَعْرُوف بِابْن العلاف الضَّرِير النهرواني وعمره مائَة، وَهُوَ ناظم مراثي الهر الَّتِي مِنْهَا:
(يَا هر فارقتنا وَلم تعد ... وَكنت منا بمنزل الْوَلَد)
(وَكَانَ قلبِي عَلَيْك مرتعدا ... وَأَنت تنساب غير مرتعد)