(تدخل برج الْحمام متئدا ... وتبلغ الفرخ غير متئد)
(صادوك غيظا عَلَيْك وانتقموا ... مِنْك وَزَادُوا وَمن يصد يصد)
(وَلم تزل للحمام مرتصدا ... حَتَّى سقيت الْحمام بالرصد)
(يَا من لذيذ الْفِرَاخ أوقعه ... وَيحك هلا قنعت بالغدد)
(لَا بَارك اللَّهِ فِي الطَّعَام إِذا ... كَانَ هَلَاك النُّفُوس فِي الْمعد)
(كم دخلت لقْمَة حَشا شَره ... فأخرجت روحه من الْجَسَد)
(مَا كَانَ أَغْنَاك من تسلقك البرج ... وَلَو كَانَ جنَّة الْخلد)
قيل: كَانَ لَهُ قطّ، وَقيل: رثى بهَا ابْن المعتز موريا لخوفه من المتقدر، وَقيل: هويت جَارِيَة عَليّ بن عِيسَى غُلَاما لأبي بكر بن العلاف الْمَذْكُور فَفطن بهما عَليّ بن عِيسَى فَقَتَلَهُمَا، فرثاه مَوْلَاهُ بِهَذِهِ.
ثمَّ دخلت سنة تسع عشرَة وثلثمائة: فِيهَا أرسل المقتدر عسكرا لقِتَال مرداويج، قالتقوا بنواحي هَمدَان فَانْهَزَمَ عَسْكَر الْخَلِيفَة، وَاسْتولى مرداويج على بِلَاد الْجَبَل جَمِيعًا وَبَلغت عساكره فِي النهب إِلَى نواحي حلوان، ثمَّ أرسل مرداويج عسكرا فَملك أصفهان.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة تأكدت الوحشة بَين مؤنس والمقتدر.
ثمَّ دخلت سنة عشْرين وثلثمائة: فِيهَا سَار مؤنس مغاضبا للمقتدر وَاسْتولى المقتدر على أقطاعه وأملاكه وأملاك أَصْحَابه، وَكتب إِلَى بني حمدَان أُمَرَاء الْموصل بصد مؤنس عَن الْموصل وقتاله، فَجرى بَينهم قتال فانتصر مؤنس وَاسْتولى على الْموصل وَاجْتمعت عَلَيْهِ العساكر من كل جِهَة وَأقَام بالموصل تِسْعَة أشهر، وَسَار بالعسكر إِلَى جِهَة بَغْدَاد فَقدم تكريت، ثمَّ سَار حَتَّى نزل بِبَاب الشماسية.
وَرَأى المقتدر انعزال الْعَسْكَر عَنهُ فقصد النُّزُول إِلَى وَاسِط، ثمَّ اتّفق مَعَ من بَقِي مَعَه على قتال مؤنس ومنعوه التَّوَجُّه إِلَى وَاسِط فَخرج لقِتَال مؤنس كَارِهًا لقتاله، وَبَين يَدي المقتدر الْفُقَهَاء والقراء مَعَهم الْمَصَاحِف منشورة وَعَلَيْهَا الْبردَة فَوقف على تل، ثمَّ ألح عَلَيْهِ أَصْحَابه فَتقدم إِلَى الْقِتَال، ثمَّ انْهَزَمت أَصْحَابه ولحقهم قوم من المغاربة، فَقَالَ: وَيحكم أَنا الْخَلِيفَة، فَقَالُوا: قد عرفناك يَا سفلَة أَنْت خَليفَة إِبْلِيس، فَضَربهُ وَاحِد بِسَيْفِهِ فَسقط إِلَى الأَرْض، وَذبح المقتدر وَكَانَ عَظِيم الجثة وَرفعُوا رَأسه وهم يكبرُونَ ويلعنونه وشلحوه حَتَّى سراويله ثمَّ دفن مَوْضِعه وعفي قَبره، وجاؤوا بِالرَّأْسِ إِلَى مؤنس وَهُوَ بالراشدية وَلم يشْهد الْحَرْب فلطم وَبكى.
وَخِلَافَة المقتدر أَربع وَعِشْرُونَ سنة وَأحد عشر شهرا وَسِتَّة عشر يَوْمًا، وعمره ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة.
ثمَّ أَشَارَ مؤنس بِإِقَامَة أبي الْعَبَّاس بن المقتدر، فبحث أَبُو يَعْقُوب إِسْحَاق بن إِسْمَاعِيل النوبختي عَن حتفه بظلفه - كَمَا سَيذكرُ - وَقَالَ: هَذَا صبي، فَترك.