قد أشرفوا على أَخذ أُذُنه وفيهَا خلق عَظِيم وأموال عَظِيمَة وجفال من الأرمن فتبرطل أقسنقر مقدم عَسْكَر حلب من الأرمن وثبط الْجَيْش عَن فتحهَا، وَاحْتج بِأَن السُّلْطَان مَا رسم بأخذها، وَتُوفِّي اقسنقر الْمَذْكُور بعد مُدَّة يسيرَة بحلب مذموماً وَأبي الله أَن يتوفاه بِبِلَاد سيس مغازياً.
وفيهَا: نقلت جثة تنكز من ديار مصر إِلَى تربته بِدِمَشْق وتلقاها النَّاس لَيْلًا بالشمع والمصاحف والبكاء، ورقوا لَهُ وَوَقع بِدِمَشْق عقيب ذَلِك مطر فعدوا ذَلِك من بركَة الْقدوم بجثته.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى توفّي بِدِمَشْق الإِمَام الْعَلامَة شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي، كَانَ بحراً زاخراً فِي الْعلم.
وَفِيه: قتل الزنديق إِبْرَاهِيم بن يُوسُف المقصاتي بِدِمَشْق لسبه الصَّحَابَة وقذفه عَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم ووقوعه فِي حق جِبْرِيل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وفيهَا: فِي الْعشْرين من شهر رَجَب توفّي بجبرين الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ نَبهَان كَانَ لَهُ الْقبُول التَّام عِنْد الْخَاص وَالْعَام، وناهيك أَن طشتمر حمص أَخْضَر على قُوَّة نَفسه وشممه وقف على زاويته بجبرين حِصَّة من قَرْيَة حريثان لَهَا مغل جيد وَبِالْجُمْلَةِ فَكَأَنَّمَا مَاتَت بِمَوْتِهِ مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَكَاد الشَّام يَخْلُو من الْمَشْهُورين على الاطلاق.
قلت:
(وَكنت إِذا قابلت جبرين زَائِرًا ... يكون لقلبي بالمقابلة الْجَبْر)
(كَأَن بني نَبهَان يَوْم وَفَاته ... نُجُوم سَمَاء خر من بَينهَا الْبَدْر)
زرته قبل وَفَاته رَحمَه الله فحكي لي قَالَ: حضرت عِنْد الشَّيْخ عبس السرجاوي وَأَنا شَاب وَهُوَ لَا يعرفنِي فحين رَآنِي دَمَعَتْ عينه وَقَالَ: مرْحَبًا بشعار نَبهَان. (وَأنْشد) :
(وَمَا أَنْت إِلَّا من سليمى لأنني ... أرى شبها مِنْهَا عَلَيْك يلوح)
وَحكى لي مرّة أُخْرَى قَالَ: حضرت بالفوعة غسل الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ مهنا لما مَاتَ وقرأنا عِنْده سُورَة الْبَقَرَة وَهُوَ يغسل فَلَمَّا وصلنا إِلَى قَوْله تَعَالَى: {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} رفعنَا أَيْدِينَا للدُّعَاء فَرفع الشَّيْخ إِبْرَاهِيم يَدَيْهِ مَعنا للدُّعَاء وَهُوَ ميت على المغتسل ومحاسن الشَّيْخ مُحَمَّد وتلقيه للنَّاس وتواضعه ومناقبه ومكاشفاته كَثِيرَة مَشْهُورَة رَحمَه الله ورحمنا بِهِ آمين.
وفيهَا: فِي منتصف شعْبَان (وَقعت الزلزلة) الْعَظِيمَة وَخَربَتْ بحلب بلادها أَمَاكِن وَلَا سِيمَا منبج فَإِنَّهَا أقلت ساكنها وأزالت محاسنها وَكَذَلِكَ قلعة الراواندان وعملت أَنا فِي ذَلِك " رِسَالَة " أَولهَا نَعُوذ بِاللَّه من شَرّ مَا يلج فِي الأَرْض وَمَا يخرج مِنْهَا، ونستعينه فِي طيب الْإِقَامَة بهَا وَحسن الرحلة عَنْهَا، نعم نستعيذ بِاللَّه ونستعين من سم هَذِه السّنة فَهِيَ أم أَرْبَعَة وَأَرْبَعين وختمتها بِقَوْلِي:
(منبج أَهلهَا حكوا دود قَز ... عِنْدهم تجْعَل الْبيُوت قبوراً)