وَادّعى الْوَلِيد الربوبية وعظمت دولته وعمرت أَرض مصر فِي أَيَّامه وَأكْثر النَّاس من التصنيف فِي سيرته، وَفِي مُنَاجَاة مُوسَى يَا رب لم أطلت عمر عَدوك فِرْعَوْن مَعَ ادعائه مَا انْفَرَدت بِهِ من الربوبية وَجحد نِعْمَتك فَقَالَ اللَّهِ تَعَالَى أمهلته لِأَن فِيهِ خَصْلَتَيْنِ من خلال الْإِيمَان الْجُود وَالْحيَاء، وهامان وَزِير فِرْعَوْن حفر لفرعون خليج السردوسي سَأَلَهُ أهل كل قَرْيَة أَن يجريه إِلَيْهِم ويعطوه مَالا فَكَانَ يَأْتِي بِهِ إِلَى الْقرْيَة نَحْو الْمشرق ثمَّ يردهُ إِلَى الْقرْيَة من نَحْو الْمغرب وَكَذَلِكَ فِي الْجنُوب وَالشمَال فَاجْتمع لَهُ من ذَلِك نَحْو مائَة ألف دِينَار وَحملهَا إِلَى فِرْعَوْن فَقَالَ فِرْعَوْن وَيحك إِنَّه يَنْبَغِي للسَّيِّد أَن يعْطف على عبيده وَلَا يطْمع فِيمَا فِي أَيْديهم ورد على أهل كل قَرْيَة مَا أَخذ مِنْهُم وَأخْبر المنجمون بِظُهُور مُوسَى وَزَوَال ملكه على يَده فَأخذ فِي قتل الْأَطْفَال حَتَّى قتل تسعين ألفا وَسلم اللَّهِ نبيه مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهُ بِأَن التقطته آسِيَة امْرَأَة فِرْعَوْن وحمته مِنْهُ وتزعم الْيَهُود أَن بنت فِرْعَوْن هِيَ الَّتِي التقطته لَا زَوجته وَالأَصَح أَنَّهَا زَوجته كَمَا نطق الْقُرْآن وَلما أظهر الْآيَات لفرعون وَسلم إِلَيْهِ بني إِسْرَائِيل وَسَار بهم نَدم ولحقهم عِنْد بَحر القلزم فَضرب مُوسَى بعصاه الْبَحْر فَصَارَ فِيهِ اثْنَا عشر طَرِيقا لكل سبط طَرِيق فَتَبِعَهُ فِرْعَوْن وَجُنُوده فغرق هُوَ وَجُنُوده وَذَلِكَ لمضي ثَمَانِينَ سنة من عمر مُوسَى.
وَكَانَ قد تملك قبل ولادَة مُوسَى، وَلذَلِك قتل الْأَطْفَال فِي أَيَّام ولادَة مُوسَى فمدة ملك فِرْعَوْن تزيد على ثَمَانِينَ سنة قطعا.
وَلما هلك فِرْعَوْن ملكت القبط بعده " دلوكة " الْمَشْهُورَة بالعجوز من بَنَات مُلُوك القبط انْتهى السحر إِلَيْهَا وعمرت حَتَّى عرفت بالعجوز وصنعت على أهل مصر من أول أرْضهَا فِي حد أسوان إِلَى آخر سورا مُتَّصِلا، ثمَّ ملك مصر بعد دلوكة صبي من أَبنَاء أكَابِر القبط اسْمه " دركون " بن بلطوس.
ثمَّ ملك بعده أَخُوهُ " لقاش " ثمَّ أَخُوهُ " مرينا " ثمَّ ملك بعده " استمادس " ثمَّ بلطوس بن مكاكيل " ثمَّ ملك بعده بَوْله " وَهَذَا غزا رحبعم بن سُلَيْمَان بن دَاوُد كَمَا تقدم، وَفِي كتب الْيَهُود إِن فِرْعَوْن الَّذِي غزا بني إِسْرَائِيل أَيَّام رجبعم اسْمه شيشاق وَهُوَ الْأَصَح ثمَّ لم يشْتَهر بعد شيشاق غير فِرْعَوْن الْأَعْرَج الَّذِي غزاه بخْتنصر وصلبه وَبَين رحبعم اسْمه شيشاق وَهُوَ الْأَصَح ثمَّ لم يشْتَهر بعد شيشاق غير فِرْعَوْن الْأَعْرَج الَّذِي غزاه بخْتنصر وصلبه وَبَين رحبعم وَبُخْتنَصَّرَ فَوق أَرْبَعمِائَة سنة وَكَانَ شيشاق على أَيَّام رحبعم فشيشاق قبل فِرْعَوْن الْأَعْرَج بِأَكْثَرَ من أَرْبَعمِائَة سنة.
قَالَ الْمُؤلف رَحمَه اللَّهِ: وَلم تصح أَسمَاء فَرَاعِنَة هَذِه الْمدَّة الَّتِي بَين شيشاق والأعرج وَلما قتل بخْتنصر فِرْعَوْن الْمَذْكُور وأباد أَهلهَا بقيت مصر أَرْبَعِينَ سنة خرابا.
قَالَ ابْن سعيد: وَصَارَت مصر وَالشَّام من حِين غَزَاهُمَا بخْتنصر تَحت ولَايَته حَتَّى مَاتَ وتوالت الْوُلَاة من جِهَة بخْتنصر على مصر وَالشَّام حَتَّى انقرضت دولة أَوْلَاده فتوالت على مصر وُلَاة الْفرس.