فَأَما ابْن عمر فَقَالَ إِن أجمع النَّاس على بيعَته بايعته وَأما الْحُسَيْن وَابْن الزبير فلحقا بِمَكَّة وَلم يبايعا ورأسل عَامل الْمَدِينَة جَيْشًا مَعَ عَمْرو بن الزبير وَكَانَ شَدِيد الْعَدَاوَة لِأَخِيهِ عبد اللَّهِ بن الزبير ليقاتله فانتصر عبد اللَّهِ وَهزمَ الْجمع وَحبس أَخَاهُ عمرا حَتَّى مَاتَ فِي حَسبه. وَورد على الْحُسَيْن مكاتبات أهل الْكُوفَة بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِم ليبايعوه وَكَانَ عاملها النُّعْمَان بن بشير فَأرْسل الْحُسَيْن ابْن عَمه مُسلم بن عقيل ليأخذوا الْبيعَة عَلَيْهِم فَقيل بَايعه بهَا ثَلَاثُونَ ألفا وَقيل ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ ألفا وَبلغ يزِيد عَن النُّعْمَان بن بشير كَلَام لَا يرضيه فولى الْكُوفَة عبيد اللَّهِ بن زِيَاد وَالِي الْبَصْرَة فَقدم الْكُوفَة وَرَأى مَا النَّاس عَلَيْهِ فَخَطب وحث على طَاعَة يزِيد. ثمَّ اجْتمع إِلَى مُسلم بن عقيل من كَانَ بَايعه للحسين وحصروا عبيد اللَّهِ بن زِيَاد بقصره وَمَعَهُ ثَلَاثُونَ رجلا فَأَمرهمْ أَن يشرفوا من الْقصر ويمنعوا أهل الطَّاعَة ويخدلوا أهل الْمعْصِيَة، فَكَانَت الْمَرْأَة تَأتي ابْنهَا وأخاها فَتَقول انْصَرف إِن النَّاس يكفونك، فَتفرق النَّاس عَن مُسلم وَبَقِي مَعَه ثَلَاثُونَ رجلا فاستتر ونادى مُنَادِي عبيد اللَّهِ بن زِيَاد من أَتَى بِمُسلم بن عقيل فَلهُ دِيَته فَأمْسك مُسلم وأحضر إِلَيْهِ فشتمه وَشتم الْحُسَيْن وعليا وَضرب عُنُقه تِلْكَ السَّاعَة لثمان مضين من ذِي الْحجَّة مِنْهَا ورميت جثته من الْقصر.
ثمَّ جهز بِرَأْسِهِ وَرَأس صَاحبه هانىء بن عُرْوَة إِلَى يزِيد وَأخذ الْحُسَيْن فِي التَّوَجُّه من مَكَّة إِلَى الْعرَاق فَقَالَ عبد اللَّهِ بن عَبَّاس: يَا ابْن الْعم إِنِّي أَخَاف عَلَيْك أهل الْعرَاق فَإِنَّهُم قوم غدر أقِم بِهَذَا الْبَلَد فَإنَّك سيد أهل الْحجاز وَإِن أَبيت إِلَّا أَن تخرج فسر إِلَى الْيمن فَإِن بهَا شيعَة لأَبِيك وَبهَا حصون وشعاب، فَقَالَ: يَا ابْن الْعم أعلم وَالله أَنَّك نَاصح مُشفق وَلَقَد أزمعت وأجمعت فَخرج الْحُسَيْن من مَكَّة يَوْم التَّرويَة سنة سِتِّينَ فِي جمائع، وبلغه مقتل مُسلم بن عقيل فَأعْلم من مَعَه بذلك، وَقَالَ: من أحب أَن ينْصَرف فلينصرف، فَتَفَرَّقُوا عَنهُ يَمِينا وَشمَالًا.
وَلما وصل الْحُسَيْن إِلَى مَكَان اسْمه شراف وصل إِلَيْهِ الْحر صَاحب شرطة عبيد اللَّهِ بن زِيَاد فِي ألفي فَارس، وقاتلوا الْحُسَيْن فِي حر الظهيرة، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن: مَا أتيت إِلَّا بكتبكم فَإِن رجعتم رجعت من هُنَا فَقَالَ لَهُ: إِنَّا أمرنَا أَن لَا نُفَارِقك حَتَّى نوصلك الْكُوفَة بَين يَدي عبيد اللَّهِ، فَقَالَ الْحُسَيْن: الْمَوْت أَهْون من ذَلِك، وَمَا زَالُوا حَتَّى سَار مَعَ صَاحب شرطة ابْن زِيَاد.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ: فِيهَا قتل الْحُسَيْن رَضِي اللَّهِ عَنهُ ورد كتاب ابْن زِيَاد يَأْمر الْحر أَن ينزل الْحُسَيْن وَمن مَعَه على غير مَاء فأنزلهم بكربلا يَوْم الْخَمِيس ثَانِي الْمحرم مِنْهَا، وَفِي الْغَد قدم من الْكُوفَة عَمْرو بن سعد بن أبي وَقاص بأَرْبعَة آلَاف فَارس أرْسلهُ ابْن زِيَاد لِحَرْب الْحُسَيْن فَسَأَلَهُ الْحُسَيْن أَن يُمكن إِمَّا من الْعود من حَيْثُ أَتَى وَإِمَّا أَن يُجهز إِلَى