وحملت نسَاء مَرْوَان وَبنَاته بعد قَتله إِلَى صَالح بن عَليّ، فحملهن إِلَى حران فَلَمَّا دخلنها ورأين منَازِل مَرْوَان رفعن أصواتهن بالبكاء.
وَعمر مَرْوَان اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة، وخلافته خمس سِنِين وَعشرَة أشهر وَنصف يكنى أَبَا عبد الْملك، وَأمه أم ولد كردية، وَتعلم من الْجَعْد بن دِرْهَم مذْهبه فِي القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَالْقدر فلقب الْجَعْدِي، وَكَانَ أَبيض أسهل ضخم الهامة كث اللِّحْيَة أبيضها ربعَة شجاعا حازما إِلَّا أَن مدَّته انْقَضتْ فَلم يَنْفَعهُ حزمه.
وَدخل سديف على السفاح وَعِنْده سُلَيْمَان بن هِشَام بن عبد الْملك وَقد أَمنه وأكرمه فَأَنْشد:
(لَا يغرنك مَا ترى من رجال ... أَن بَين الضلوع دَاء دويا)
(فضع السَّيْف وارفع الصَّوْت حَتَّى ... لَا ترى فَوق ظهرهَا أمويا)
فَأمر السفاح بِسُلَيْمَان فَقتل:
وَدخل شبْل بن عبد اللَّهِ مولى بني هَاشم على عَم السفاح عبد اللَّهِ بن عَليّ وَقد اجْتمع عِنْده من بني أُميَّة نَحْو تسعين رجلا فَأَنْشد:
(أصبح الْملك ثَابت الأساس ... بالبهاليل من بني الْعَبَّاس)
(طلبُوا وتر هَاشم فشفوها ... بعد ميل من الزَّمَان وباس)
(لَا تقلين عبد شمس عثارا ... واقطعن كل رقلة وغراس)
(ذلها أظهر التودد مِنْهَا ... وَبهَا مِنْكُم كَحَد المواسي)
(وَلَقَد سَاءَنِي وساء سوأتي ... قربهم من نمارق وكراسي)
(أنزلوها بِحَيْثُ أنزلهَا اللَّهِ ... بدار الهوان والإتعاس)
(واذكرا مصرع الْحُسَيْن وزيدا ... وقتيلا بِجَانِب المهراس)
(والقتيل الَّذِي بحران أضحى ... ثاويا بَين غربَة وتناسي)
فَأمر عبد اللَّهِ بهم فَضربُوا بالعمد حَتَّى وَقَعُوا وَبسط عَلَيْهِم الأنطاع وَمد عَلَيْهِم الطَّعَام وَأكل النَّاس الطَّعَام وهم يسمعُونَ أنينهم حَتَّى مَاتُوا جَمِيعًا، وَأمر عبد اللَّهِ بنبش قُبُور بني أُميَّة بِدِمَشْق، وَتبع قتل بني أُميَّة فَلم يفلت إِلَّا رَضِيع أَو من هرب إِلَى الأندلس.
وَقتل سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس بِالْبَصْرَةِ جمَاعَة من بني أُميَّة وألقاهم فِي الطَّرِيق تأكلهم الْكلاب، فتشتت من بَقِي مِنْهُم وَاخْتلفُوا فِي الْبِلَاد. أَبُو الْورْد بن الْكَوْثَر وَكَانَ من أَصْحَاب مَرْوَان طَاعَة بني الْعَبَّاس فَسَار إِلَيْهِ عبد اللَّهِ عَم السفاح وَهُوَ بِقِنِّسْرِينَ فِي جمع عَظِيم فَاقْتَتلُوا شَدِيدا وَكَثُرت الْقَتْلَى، ثمَّ ثَبت أَبُو الْورْد حَتَّى قتل وَانْهَزَمَ أَصْحَابه، وجدد عَم السفاح بيعَة أهل قنسرين وَعَاد إِلَى دمشق، وَكَانَ خرج من بهَا عَن الطَّاعَة ونهبوا أهل عبد اللَّهِ عَم السفاح ثمَّ هربوا مِنْهُ، ثمَّ آمنهم.