ثمَّ دخلت سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة: فِيهَا: قدم الْمَنْصُور من الْحَج إِلَى الْكُوفَة فصلى بِأَهْلِهَا الْجُمُعَة وخطبهم وَسَار فَأَقَامَ بالأنبار.
وفيهَا: بَايع عَم الْمَنْصُور عبد اللَّهِ بن عَليّ لنَفسِهِ بالخلافة، وَكَانَ أَبُو مُسلم قد قدم من الْحَج مَعَ الْمَنْصُور، فَأرْسل الْمَنْصُور أَبَا مُسلم وَمَعَهُ الْجنُود لقِتَال عَمه وَهُوَ بِأَرْض نَصِيبين، فَاقْتَتلُوا مرَارًا وَجَاء أَبُو مُسلم بأنواع الخدع لقتاله، ثمَّ انهزم عبد اللَّهِ وَأَصْحَابه فِي جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا إِلَى الْعرَاق وَاسْتولى أَبُو مُسلم على عسكره.
وفيهَا: قتل الْمَنْصُور أَبَا مُسلم الْخُرَاسَانِي لوحشة جرت بَينهمَا، فَإِنَّهُ كتب إِلَى أبي مُسلم بعد أَن هزم عبد اللَّهِ عَمه بِالْولَايَةِ على مصر وَالشَّام وَصَرفه عَن خُرَاسَان، فَلم يجب أَبُو مُسلم إِلَى ذَلِك وَتوجه يُرِيد خُرَاسَان. وَسَار الْمَنْصُور من الأنبار إِلَى الْمَدَائِن وَكتب بِطَلَب أَبَا مُسلم فَاعْتَذر عَن الْحُضُور، وطالت بَينهمَا المراسلات.
وَفِي الآخر: قدم أَبُو مُسلم عَلَيْهِ بِالْمَدَائِنِ فِي ثَلَاثَة آلَاف وَخلف بَاقِي عسكره بحلوان، وَدخل على الْمَنْصُور وَقبل يَده وَانْصَرف، فَلَمَّا كَانَ من الْغَد ترك الْمَنْصُور بعض حرسه خلف الرواق وَأمرهمْ إِذا صفق بيدَيْهِ يخرجُون وَيقْتلُونَ أَبَا مُسلم. ودعا أَبَا مُسلم، فَلَمَّا حضر أَخذ الْمَنْصُور يعدد ذنُوبه وَأَبُو مُسلم يعْتَذر عَنْهَا، ثمَّ صفق الْمَنْصُور فَخرج الحرس وَقتلُوا أَبَا مُسلم فِي شعْبَان مِنْهَا، قتل أَبُو مُسلم فِي مُدَّة دولته سِتّمائَة ألف صبرا.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَة: وفيهَا: خرج قسطنطين ملك الرّوم إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام فَأخذ ملطية عنْوَة وَهدم سورها وَعفى عَمَّن بهَا من الْمُقَاتلَة والذرية وَمر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ نَحْو ذَلِك.
وفيهَا: وسع الْمَنْصُور الْمَسْجِد الْحَرَام.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة: فِيهَا: ابْتِدَاء الدولة الأموية بالأندلس، دخل عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك إِلَى الأندلس هَارِبا من الْقَتْل مستخفيا كَمَا تقدم، فاستولى عَلَيْهَا.
وفيهَا: ظفر الْمَنْصُور بِعَمِّهِ عبد اللَّهِ بعد استخفائه عِنْد أَخِيه سُلَيْمَان بن عَليّ من حِين هرب من أبي مُسلم، فأعدمه.
ثمَّ دخلت سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة: وفيهَا: أرسل الْمَنْصُور عبد الْوَهَّاب ابْن أَخِيه إِبْرَاهِيم الإِمَام وَالْحسن بن قَحْطَبَةَ فِي سبعين ألفا، فعمروا ملطية فِي سِتَّة أشهر، وَسَار إِلَيْهِم ملك الرّوم فِي مائَة ألف حَتَّى نزل نهر جيحان، فَبَلغهُ كَثْرَة الْمُسلمين فَرجع.
وفيهَا: حج الْمَنْصُور وَتوجه إِلَى الْقُدس ثمَّ الرقة وَعَاد إِلَى هاشمية الْكُوفَة.
وفيهَا: أَمر الْمَنْصُور بعمارة سور المصيصة وَبنى بهَا جَامعا وأسكنها ألف جندي وسماها المعمورة.