ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة: فِيهَا: تجهز الْمهْدي لغزو الرّوم واستخلف ابْنه الْهَادِي بِبَغْدَاد، وَلما وصل إِلَى حلب بلغَة أَن بِتِلْكَ النَّاحِيَة زنادقة فَجَمعهُمْ وقتلهم وَقطع كتبهمْ وَسَار إِلَى جيحان، وجهز ابْنه هَارُون بالعسكر فتغلغل فِي الرّوم وَفتح كثيرا وَعَاد.
وفيهَا: قتل الْمقنع الْخُرَاسَانِي واسْمه عَطاء، وَكَانَ لَعنه اللَّهِ قصارا أَعور مشوها لَا يسفر عَن وَجهه وتقنع بِوَجْه ذهب، وَادّعى الربوبية وَأَن الْبَارِي تَعَالَى وتقدس حل فِي آدم ثمَّ فِي نوح ثمَّ فِي نَبِي بعد آخر حَتَّى حل فِيهِ، وَعمر قَرْيَة سَنَام وَرَاء النَّهر من رستاق كيش وتحصن بهَا وخيل بسحره للنَّاس صُورَة قمر يطلع وَيرى من مَسَافَة شَهْرَيْن، وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْن سنا الْملك بقوله:
(إِلَيْك فَمَا بدر الْمقنع طالعا ... بأسحر من ألحاظ بدر المعمم)
وأطاعه خلق، ثمَّ اجْتمع النَّاس وحصروه فسم نِسَاءَهُ ثمَّ نَفسه فماتوا، فَدخل النَّاس قلعته وَقتلُوا أشياعه وَأَتْبَاعه.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة: فِيهَا: مَاتَ عِيسَى عَم الْمَنْصُور وَعمرَة ثَمَان وَسَبْعُونَ.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَة: فِيهَا وصل الرشيد فِي جَيش بِأَمْر أَبِيه الْمهْدي إِلَى خليج قسطنطينية وغنم وَقتل فِي الرّوم وَعَاد.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة: فِيهَا تحرج الْمهْدي من وزيره يَعْقُوب بن دَاوُد بن طهْمَان وَزِير نصر بن سيار قبله، كَانَ أَصْحَاب الْمهْدي يشربون عِنْده وَيَعْقُوب ينْهَى عَن ذَلِك، فسعوا فِيهِ حَتَّى حَبسه الْمهْدي، وَاسْتمرّ إِلَى أَن أخرجه الرشيد فِي خِلَافَته، وَفِي ذَلِك يَقُول بشار بن برد،
(بني أُميَّة هبوا طَال نومكم ... إِن الْخَلِيفَة يَعْقُوب بن دَاوُد)
(ضَاعَت خلافتكم يَا قوم فالتمسوا ... خَليفَة اللَّهِ بَين الناي وَالْعود)
وفيهَا: أَقَامَ الْمهْدي بريدا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة بغالا وإبلا.
وفيهَا: قتل بشار بن برد الشَّاعِر الْأَعْمَى خلقَة على الزندقة وَقد نَيف على التسعين، قيل: كَانَ يفضل النَّار على الأَرْض، ويصوب رَأْي إِبْلِيس فِي امْتِنَاعه من السُّجُود لآدَم، نسْأَل اللَّهِ الْعَافِيَة.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة: فِيهَا توفّي عِيسَى بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد اللَّهِ بن الْعَبَّاس، ابْن أخي السفاح والمنصور، أوصى لَهُ السفاح بالخلافة بعد الْمَنْصُور ثمَّ خلعه الْمَنْصُور وَولى ابْنه الْمهْدي، وعاش خمْسا وَسِتِّينَ.
وفيهَا: زَاد الْمهْدي فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَة: فِيهَا مَاتَ الْمهْدي مُحَمَّد بن عبد اللَّهِ الْمَنْصُور ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .