الجسرين وأحاط بِيَحْيَى وَولده وَجَمِيع أنسابه واخذ جَمِيع مَا يملكونه، وَلم يتَعَرَّض لمُحَمد بن خَالِد بن برمك وَولده لبراءته عِنْده، وَمُدَّة وزارتهم سبع عشرَة سنة، وَفِي ذَلِك يَقُول الرقاشِي وَقيل: أَبُو نؤاس قصيدة مِنْهَا:
(وَقل للمنايا قد ظَفرت بِجَعْفَر ... وَلم تظفري من بعده بمسود)
(وَقل للعطايا بعد فضل تعطلي ... وَقل للرزايا كل يَوْم تجددي)
(ودونك سَيْفا برميكا مهندا ... أُصِيب بِسيف هاشمي مهند)
وَقَالَ يحيى: الدُّنْيَا دوَل، وَالْمَال عَارِية، وَلنَا بِمن قبلنَا أُسْوَة، وَفينَا لمن بَعدنَا عِبْرَة.
وفيهَا: خلع الرّوم ملكتهم زيني وملكوا بدلهَا تقفور، فَكتب إِلَى الرشيد: من تقفور ملك الرّوم إِلَى هَارُون ملك الْعَرَب، وَأما بعد: فَإِن الملكة الَّتِي كَانَت قبلي أقامتك مقَام الرخ وأقامت نَفسهَا مقَام البيدق فَحملت إِلَيْك من أموالها مَا كنت حَقِيقا بِحمْل أضعافه إِلَيْهَا لَكِن ذَلِك من ضعف النِّسَاء وحمقهن، فَإِذا قَرَأت كتابي هَذَا ارْدُدْ مَا حصل لَك من أموالها وَإِلَّا السَّيْف بَيْننَا وَبَيْنك. وَكتب الرشيد فِي ظهر الْكتاب: بِسم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم من هَارُون أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى تقفور كلب الرّوم وَقد قَرَأت كتابك يَا ابْن الْكَافِرَة وَالْجَوَاب مَا ترَاهُ لَا مَا تسمعه.
ثمَّ سَار الرشيد من يَوْمه حَتَّى نزل على هرقلة فَفتح وغنم وَخرب، فَسَأَلَهُ تقفور الْمُصَالحَة على خراج يحملهُ كل سنة فَأَجَابَهُ.
وفيهَا: توفّي الفضيل بن عِيَاض الزَّاهِد، ومولده بسمرقند.
وفيهَا: توفّي أَبُو مُسلم معَاذ الهراء النَّحْوِيّ، وَعنهُ أَخذ الْكسَائي، وَولد أَيَّام يزِيد بن عبد الْملك.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا توفّي الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف الشَّاعِر.
قلت: قَالَ بشار بن برد: مَا زَالَ غُلَام من بني حنيفَة - يَعْنِي الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف - يدْخل نَفسه فِينَا وَنحن نخرجهُ منا، حَتَّى قَالَ:
(يَا أَيهَا الرجل المعذب نَفسه ... أقصر فَإِن شفاءك الإقصار)
(نزف الْبكاء دموع عَيْنك فاستعر ... عينا يعينك دمعها المدرار)
(من ذَا يعيرك عينه تبْكي بهَا ... أَرَأَيْت عينا للبكاء تعار)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا توفّي أَبُو الْحسن عَليّ بن حَمْزَة بن عبد اللَّهِ بن فَيْرُوز الْكسَائي أحد الْقُرَّاء السَّبْعَة نحوي لغَوِيّ، دخل الْكُوفَة وأتى حَمْزَة الزيات ملتفا بكساء وَقيل: بل أحرم بكساء فَقيل الْكسَائي.
وفيهَا: سَار الرشيد إِلَى الرّيّ وَأقَام أَرْبَعَة أشهر وَرجع فِي ذِي الْحجَّة وأحرق جثة