وفيهَا: توفّي مُحَمَّد بن عَمْرو بن وَاقد الْوَاقِدِيّ الْعَالم بالمغازي وباختلاف الْعلمَاء، ولي الْقَضَاء بالجانب الشَّرْقِي من بَغْدَاد وَكَانَ الْمَأْمُون يُبَالغ فِي إكرامه وعمره ثَمَان وَسَبْعُونَ.
وفيهَا: مَاتَ مُحَمَّد بن عبد اللَّهِ بن عبد الْأَعْلَى الْمَعْرُوف بِابْن كناسَة، وَهُوَ ابْن أُخْت إِبْرَاهِيم بن أدهم عَالم بِالْعَرَبِيَّةِ وَالشعر وَأَيَّام النَّاس.
وفيهَا: مَاتَ أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن زِيَاد بن عبد اللَّهِ الديلمي الْمَعْرُوف بالفراء الْكُوفِي، أبرع الْكُوفِيّين نَحوا ولغة وأدبا، وَله كتاب الْحُدُود وَكتاب الْمعَانِي وكتابان فِي الْمُشكل وَكتاب النَّهْي وَغير ذَلِك، توفّي بطرِيق مَكَّة وعمره نَحْو ثَلَاث وَسِتِّينَ، كَانَ يفري الْكَلَام فلقب بذلك.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا مَاتَ الْفضل بن الرّبيع.
قلت: وفيهَا ورد عبد اللَّهِ بن طَاهِر بن الْحُسَيْن وَزِير الْمَأْمُون لهدم حصون الشَّام وَهدم سُورَة معرة النُّعْمَان وحصن الْكفْر وحصن حناك وَغير ذَلِك.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا مَاتَ ميخاييل ملك الرّوم، ملك تسع سِنِين، ثمَّ ابْنه بو قيل.
وفيهَا: توفّي أَبُو عُبَيْدَة مُحَمَّد بن حَمْزَة اللّغَوِيّ وَكَانَ يمِيل إِلَى مقَالَة الْخَوَارِج وعمره تسع وَتسْعُونَ، وَمَعَ كَمَال فَضله كَانَ لَا يُقيم للشعر وزنا، وَله نَحْو مِائَتي مُصَنف.
ثمَّ دخلت سنة عشر وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا ظفر الْمَأْمُون بإبراهيم بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن إِبْرَاهِيم الإِمَام الْمَعْرُوف بِابْن عَائِشَة وبجماعة مَعَه سعوا فِي الْبيعَة لإِبْرَاهِيم بن الْمهْدي فحبسهم، ثمَّ صلب ابْن عَائِشَة وَهُوَ أول عباسي صلب، ثمَّ أنزل فَصلي عَلَيْهِ وكفن وَدفن.
وفيهَا: فِي ربيع الآخر أمسك حارس أسود إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي متنقبا مَعَ امْرَأتَيْنِ فَأحْضرهُ إِلَى الْمَأْمُون فحبسه، ثمَّ شفع فِيهِ الْحسن بن سهل، وَقيل: بوران، وَقيل: بل الْمَأْمُون من نَفسه عَفا عَنهُ وَأطْلقهُ.
وفيهَا: دخل الْمَأْمُون ببوران بنت الْحسن بن سهل وَكَانَ أَبوهَا مُقيما بِفَم الصُّلْح فَسَار الْمَأْمُون وَدخل بهَا، ثمَّ وَنَثَرت عَلَيْهِ أم الْحسن وَالْفضل ألفا حَبَّة لُؤْلُؤ نفيسة وَأوقدت شمعة وَزنهَا أَرْبَعُونَ منا من عنبر، وَكتب الْحسن أَسمَاء ضيَاعه فِي رقاع ونثرها على القواد، وَكَانَ الْحسن تخلص من السَّوْدَاء الَّتِي ذكرنَا أَنَّهَا غلبت عَلَيْهِ فِي سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ.
قلت: وَلما خلا الْمَأْمُون ببوران حَاضَت من هَيْبَة الْخلَافَة فَقَالَت: أَتَى أَمر اللَّهِ فَلَا تستعجلوا، وحذفت الْهَاء لِئَلَّا تكون قارئة فِي الْحيض. فَفطن الْمَأْمُون لكنايتها وأعجب بهَا وَخرج فِي الْحَال وَأنْشد فِي ذَلِك:
(فَارس مَاض بحربته ... عَارِف بالطعن فِي الظُّلم)