قلت: ورثاه جحظة الْبَرْمَكِي فَقَالَ:
(فقدت بِابْن دُرَيْد كل فَائِدَة ... لما غَدا ثَالِث الْأَحْجَار والترب)
(وَكنت أبْكِي لفقد الْجُود مُنْفَردا ... فصرت أبْكِي لفقد الْجُود وَالْأَدب)
وَمرض بالفالج مرَّتَيْنِ مَاتَ فِي الثاينة، وَكَانَ يتألم من دُخُول الدَّاخِل وَإِن لم يصل إِلَيْهِ، حَتَّى قَالَ تِلْمِيذه أَبُو عَليّ القالي: أَظُنهُ عُوقِبَ بقوله:
(مارست من لوهوت الأفلاك من ... جَوَانِب الجو عَلَيْهِ مَا شكا)
وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي أَبُو هَاشم بن أبي عَليّ الجبائي الْمُتَكَلّم المعتزلي ومولده سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، أَخذ عَن أَبِيه واجتهد حَتَّى فاقه. قَالَ أَبُو هَاشم: كَانَ أبي أكبر مني باثنتي عشرَة سنة. وَمَات أَبُو هَاشم وَابْن دُرَيْد فِي يَوْم وَاحِد بِبَغْدَاد فَقَالَ النَّاس: الْيَوْم دفن علم الْكَلَام وَعلم اللُّغَة.
وفيهَا: توفّي مُحَمَّد بن يُوسُف بن مطر الْفربرِي ومولده سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي رُوِيَ صَحِيح البُخَارِيّ عَنهُ، وَكَانَ قد سَمعه من البُخَارِيّ عشرات أُلُوف، مَنْسُوب إِلَى فربر، براءين قَرْيَة ببخارا قَالَه ابْن الْأَثِير، وَقَالَ ابْن خلكان: فربر بَلْدَة على طرف جيحون.
وفيهَا: توفّي بِمصْر أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد بن سَلامَة الْأَزْدِيّ الطَّحَاوِيّ الْفَقِيه الْحَنَفِيّ انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة أَصْحَاب أبي حنيفَة بِمصْر، وَكَانَ شافعيا وَكَانَ يقْرَأ على خَاله الْمُزنِيّ فَقَالَ لَهُ يَوْمًا: وَالله لَا جَاءَ مِنْك شَيْء، فَغَضب واشتغل على مَذْهَب أبي حنيفَة، وبرع وصنف كتبا مفيدة مِنْهَا: أَحْكَام الْقُرْآن وَاخْتِلَاف الْعلمَاء ومعاني الْآثَار وتاريخ كَبِير، وولادته سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ.
قلت: وَلما صنف مُخْتَصره قَالَ: رحم اللَّهِ ابا إِبْرَاهِيم - يَعْنِي الْمُزنِيّ خَاله - لَو كَانَ حَيا لكفر عَن يَمِينه، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثلثمائة: فِيهَا استولى عماد الدولة بن بويه على شيزار.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى خلع القاهر لغدره بطريف السنكري، وحنثه فِي الْيَمين بالأمان للَّذين قَتلهمْ. وَكَانَ ابْن مقلة مستترا من القاهر ويغري القواد بِهِ وَيظْهر تَارَة بزِي عجمي وَتارَة بزِي مكدي، وَأعْطى منجما مائَة دِينَار ليقول للقواد: إِن عَلَيْهِم قطعا من القاهر، وَأعْطى معبر منامات مائَة دِينَار حَتَّى عبر لسيما الْقَائِد مناما كَذَلِك، فاستوحشوا من القاهر وحضروا إِلَيْهِ وَقد بَات يشرب أَكثر ليلته وَأَحْدَقُوا بِالدَّار، فَاسْتَيْقَظَ مخمورا فهرب إِلَى سطح حمام فتبعوه وأحضروه إِلَى حبس طريف السنكري فحبسوه مَكَان طريف وسلموا عَيْنَيْهِ، وأخرجوا طريفا. وخلافته سنة وَاحِدَة وَسِتَّة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام.