وَسَببه أَنه سعى فِي الْقَبْض على ابْن راتق وَإِقَامَة بجكم مَوْضِعه، فَعلم بِهِ ابْن راتق فحبسه الراضي لأجل ابْن راتق، وَفِي الآخر قطعُوا يَده وبرأ فسعى فِي الوزارة وَشد الْقَلَم على يَده المقطوعة وَكتب وَكَانَ يَدْعُو عَلَيْهِم، فَقطع ابْن راتق لِسَانه وضيق عَلَيْهِ فِي الْحَبْس، ثمَّ لحقه الذرب من غير خَادِم يَخْدمه فقاسى شدَّة حَتَّى مَاتَ فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَعشْرين وثلثمائة وَدفن بدار الْخلَافَة، ثمَّ نبش وَسلم إِلَى أَهله فدفنوه فِي دَاره، ثمَّ نقل إِلَى دَار أُخْرَى.
وَالْعجب: وزارته ثَلَاث مَرَّات، للمقتدر والقاهر الراضي، وسافر ثَلَاث مَرَّات مرَّتَيْنِ إِلَى شيزار وَمرَّة فِي وزارته إِلَى الْموصل، وَدفن ثَلَاث مَرَّات.
قلت: وَفِي ذَلِك يَقُول ابْن مقلة نواحا على يَده: خدمت بهَا الْخُلَفَاء وكتبت بهَا الْقُرْآن الْكَرِيم دفعتين تقطع كَمَا تقطع أَيدي اللُّصُوص، وَأنْشد:
(مَا سئمت الْحَيَاة وَلَكِن توثقت ... بأيمانهم فَبَانَت يَمِيني)
(بِعْت ديني لَهُم بدنياي حَتَّى ... حرموني دنياهم بعد ديني)
(وَلَقَد حطت مَا اسْتَطَعْت بجهدي ... حفظ أَرْوَاحهم فَمَا حفظوني)
(لَيْسَ بعد الْيَمين لَذَّة عَيْش ... يَا حَياتِي بَانَتْ يَمِيني فبيني)
قلت: وَبعد مَوته استعرضوا خزانَة الرؤوس وَذَلِكَ فِي آخر أَيَّام الراضي وَكَانَت قد امْتَلَأت فرموها كلهَا فِي دجلة، وَكَانَ بَعْضهَا فِي أسفاط وَبَعضهَا فِي صناديق رصاص، ووجدوا فِي الْجُمْلَة سفطا فِيهِ رَأس وَيَد ورقعة فِيهَا مَكْتُوب هَذَا رَأس أبي الْجمال، الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن عبد اللَّهِ بن سُلَيْمَان بن وهب وَهَذِه الْيَد الَّتِي مَعَ الرَّأْس يَد الْوَزير أبي عَليّ بن مقلة وَهِي الْيَد الَّتِي وَقعت بِقطع هَذَا الرَّأْس، وَالله أعلم.
وَله أَلْفَاظ منقولة مِنْهَا: إِنِّي إِذا أَحْبَبْت تهالكت، وَإِذا أبغضت أهلكت وَإِذا رضيت آثرت، وَإِذا غضِبت أثرت، وَمِنْهَا: يُعجبنِي من يَقُول الشّعْر تأدبا لَا تكسبا، وَيتَعَاطَى الْغناء تطربا لَا تطلبا.
وَالصَّحِيح: أَن صَاحب الْخط الْمليح هُوَ أَخُوهُ أَبُو عبد اللَّهِ الْحسن بن عَليّ بن مقلة المتوفي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثلثمائة، وَالله أعلم.
وفيهَا: غرَّة ذِي الْقعدَة سَار بجكم من وَاسِط إِلَى بَغْدَاد، وجهز ابْن راتق إِلَيْهِ عسكرا من بَغْدَاد فَهَزَمَهُمْ بجكم، فهرب ابْن راتق إِلَى عكبرا واستتر، وَدخل بجكم بَغْدَاد ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة فَجعله الراضي أَمِير الْأُمَرَاء، وَكَانَت مُدَّة ابْن راتق سنة وَعشرَة أشهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا. كَانَ بجكم مَمْلُوكا لوزير ماكان الديلمي فَأَخذه مِنْهُ، ثمَّ فَارقه وَلحق بمرداويج فَكَانَ من قَتله مرداويج، ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة ابْن راتق حَتَّى كتب على رايته الراتقي وَاسْتولى من جِهَة ابْن راتق على الأهواز وطرد ابْن البريدي، وَلما استولى ابْن بويه على الأهواز سَار بجكم إِلَى وَاسِط حَتَّى جرى مَا جرى.
قلت: وانتقم اللَّهِ تَعَالَى لِابْنِ مقلة من ابْن راتق، فَصَارَ عدوه بجكم بِحكم مَوْضِعه ثمَّ