أهل آمد مَعَ شيخهم عبد الْبر فَقتلُوا أَبَا عَليّ الْمَذْكُور عِنْد خُرُوجه من بَاب الْبَلَد بالسكاكين تولى قَتله ابْن دمنة من آمد وَاسْتولى عبد الْبر شيخ آمد عَلَيْهِ وَزوج ابْن دمنة بابنته، فَوَثَبَ ابْن دمنة فَقتل عبد الْبر أَيْضا وَاسْتولى على آمد.
وَكَانَ لأبي عَليّ أَخ لقبه ممهد الدولة بن مَرْوَان، فَلَمَّا قتل أَبُو عَليّ سَار ممهد الدولة فَملك ميافارقين وَغَيرهَا من بِلَاد أَخِيه، فَعمل شروة وَهُوَ من أكَابِر الْعَسْكَر دَعْوَة لممهد الدولة وَقَتله فِيهَا، وَاسْتولى شروة على غَالب بِلَاد بني مَرْوَان وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة.
وَكَانَ ممهد الدولة قد حبس أَخَاهُ الآخر أَبَا نصر أَحْمد، وَكَانَ قد حَبسه أَيْضا أَخُوهُ أَبُو عَليّ بِسَبَب مَنَام وَهُوَ أَنه رأى أَن الشَّمْس فِي حجره وَقد أَخذهَا مِنْهُ أَخُوهُ أَبُو نصر فحبسه لذَلِك، فَلَمَّا قتل ممهد الدولة أخرج أَبُو نصر من الْحَبْس وَاسْتولى على أرزن، هَذَا كُله وأبوهم مَرْوَان بَاقٍ أعمى مُقيم بأرزن عِنْد قبر وَلَده أبي عَليّ، وَلما اسْتَقر أَبُو نصر خرجت الْبِلَاد عَن طَاعَة شروة وَاسْتولى أَبُو نصر على سَائِر بِلَاد ديار بكر ودامت أَيَّامه وَحسنت سيرته، وَبَقِي كَذَلِك من سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة إِلَى ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَسَيَأْتِي.
وفيهَا: ملك أَبُو الذواد الْموصل وَهُوَ مُحَمَّد بن الْمسيب بن رَافع بن الْمُقَلّد بن جَعْفَر أَمِير بني عقيل وَقتل أَبَا طَاهِر بن نَاصِر الدولة بن حمدَان وَأَوْلَاده وعدة من قواده بعد قتال بَينهمَا وَاسْتقر أَبُو الذواد بالموصل.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى ثَمَانِينَ وثلثمائة: فِيهَا قبض بهاء الدولة على الطائع لله أبي بكر عبد الْكَرِيم بن الْمفضل الْمُطِيع لله بن المعتضد بن الْمُوفق بن المتَوَكل لطمع بهاء الدولة فِي مَال الطائع، وَلما أَرَادَ ذَلِك أرسل إِلَى الطائع وَسَأَلَهُ الْأذن ليجدد الْعَهْد بِهِ، فَجَلَسَ الطائع على كرْسِي وَدخل بعض الديلم على صُورَة مقبل ليده فَجَذَبَهُ عَن سَرِيره والخليفة يَقُول: إِنَّا لله وَأَنا إِلَيْهِ رَاجِعُون، وَحمل إِلَى دَار بهاء الدولة وَأشْهد عَلَيْهِ بِالْخلْعِ، فخلافته سبع عشرَة سنة وَثَمَانِية أشهر وَأَيَّام، وَلما تولى الْقَادِر حمل إِلَيْهِ الطائع فَبَقيَ عِنْده مكرما إِلَى أَن توفّي الطائع سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلثمائة لَيْلَة الْفطر ومولده سنة سبع عشرَة وثلثمائة، وَلم يكن للطائع فِي ولَايَته من الحكم مَا يسْتَدلّ بِهِ على حَاله.
وَكَانَ فِيمَن حضر لقبض الطائع الشريف الرضي فبادر بِالْخرُوجِ من دَار الْخلَافَة وَقَالَ فِي ذَلِك أبياتا مِنْهَا:
(أمسيت أرْحم من قد كنت أغبطه ... لقد تقَارب بَين الْعِزّ والهون)