وَلما خلع أهل قرطبة طَاعَة يحيى بَايعُوا لهشام بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن عبد الرَّحْمَن النَّاصِر الْأمَوِي ولقبوه بالمعتمد بِاللَّه سنة ثَمَان عشرَة وَأَرْبَعمِائَة حَسْبَمَا ذكرنَا. وَجرى فِي أَيَّامه فتن وخلافات فِي الأندلس حَتَّى خلع هِشَام الْمَذْكُور سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة، وَسَار مخلوعا إِلَى سُلَيْمَان بن هود الجذامي فَأَقَامَ عِنْده حَتَّى مَاتَ هِشَام سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة.
ثمَّ أَقَامَ أهل قرطبة بعد هِشَام شخصا من ولد عبد الرَّحْمَن النَّاصِر اسْمه أُميَّة وَقَالُوا لَهُ: نخشى عَلَيْك أَن تقتل وَأَن السَّعَادَة قد ولت عَنْكُم يَا بني أُميَّة، فَقَالَ: بايعوني الْيَوْم واقتلوني غَدا فَلم يَنْتَظِم أمره واختفى فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ.
ثمَّ اقتسم الأندلس أَصْحَاب الْأَطْرَاف والرؤساء، فَملك قرطبة أَبُو الْحسن بن جهور من وزراء الدولة العامرية وَاسْتمرّ كَذَلِك حَتَّى مَاتَ سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة، ووليها بعده ابْنه أَبُو الْوَلِيد مُحَمَّد.
وَملك أشبيلية قاضيها أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عباد اللَّخْمِيّ من ولد النُّعْمَان بن الْمُنْذر.
وَلما تقسمت الأندلس شاع ظُهُور الْمُؤَيد هِشَام بن الحكم من الاختفاء وَأَنه سَار إِلَى قلعة رَبَاح فأطاعه أَهلهَا، فاستدعاه ابْن عباد إِلَى أشبيلية فَسَار إِلَيْهِ وَقَامَ بنصره وَكتب بظهوره إِلَى ممالك الأندلس، فَأجَاب أَكْثَرهم وخطبوا لَهُ وجددت بيعَته فِي الْمحرم سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة، وبقى الْمُؤَيد حَتَّى ولي المعتضد بن عباد فأظهر موت الْمُؤَيد، وَالصَّحِيح أَن الْمُؤَيد لم يظْهر مُنْذُ عدم من قرطبة فِي سنة ثَلَاث ورأبعمائة وَإِنَّمَا ذَلِك من تمويهات ابْن عباد.
وَأما بطليوس: فَقَامَ بهَا سَابُور الْفَتى العامري وتلقب بالمنصور، ووليها بعده أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد اللَّهِ بن مسلمة بن الْأَفْطَس وتلقب بالمظفر وَأَصله من بربر مكناسة لَكِن ولد أَبوهُ بالأندلس، ووليها بعد مُحَمَّد ابْنه عمر وتلقب بالمتوكل واتسع ملكه وَقتل صبرا مَعَ ولديه الْفضل وَالْعَبَّاس عِنْد تغلب أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين على الأندلس.
وَأما طليطلة: فوليها ابْن يعِيش، ثمَّ إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن عَامر بن ذِي النُّون وتلقب بالظافر بحول اللَّهِ وَهُوَ من البربر، ووليها بعده ابْنه يحيى، ثمَّ أخذت الفرنج طليطلة مِنْهُ سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَاقْتصر هُوَ على بلنسية إِلَى أَن قَتله القَاضِي بن جحاف الْأَحْنَف.
وَأما سرقسطة والثغر الْأَعْلَى: فَكَانَت بيد مُنْذر بن يحيى، ثمَّ ابْنه يحيى ثمَّ سُلَيْمَان بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن هود الجذامي وتلقب بالمستعين بِاللَّه، ثمَّ ابْنه أَحْمد ثمَّ ابْنه عبد الْملك، ثمَّ ابْنه أَحْمد وتلقب بالمنتصر بِاللَّه وَعَلِيهِ انقرضت دولتهم على رَأس الْخَمْسمِائَةِ فَصَارَت بِلَادهمْ كلهَا للملثمين.