" فَأَما رضوَان " بن تتش فَبَلغهُ قتل أَبِيه قرب هيت مُتَوَجها للاستيلاء على الْعرَاق فَرجع إِلَى حلب وَبهَا من جِهَة وَالِده أَبُو الْقسم حسن بن عَليّ الْخَوَارِزْمِيّ، ولحقه جمَاعَة من قواد أَبِيه ثمَّ لحقه بحلب أَخُوهُ دقاق وَكَانَ حَاضرا مقتل أَبِيه وَكَانَ مَعَ رضوَان أَيْضا أَخَوَاهُ الصغيران أَبُو طَالب وبهرام وَكلهمْ مَعَ أبي الْقسم الْخَوَارِزْمِيّ كالضيوف وَهُوَ المستولي على الْبَلَد، ثمَّ كبس رضوَان أَبَا الْقسم الْخَوَارِزْمِيّ لَيْلًا واحتاط عَلَيْهِ وَطيب قلبه وخطب لرضوان بحلب وَكَانَ مَعَ رضوَان ياغي سِنَان بن مُحَمَّد التركماني صَاحب أنطاكية، ثمَّ سَار رضوَان بِمن مَعَه إِلَى ديار بكر للاستيلاء عَلَيْهَا وَقصد سروج فسبقه إِلَيْهَا سقمان بن أرتق وَمنع رضوَان عَنْهَا فَسَار رضوَان فاستولى على الرها وَأطلق قلعتها لياغي سِنَان الْمَذْكُور، ثمَّ اخْتلف عَسْكَر رضوَان بَين ياغي سِنَان وَجَنَاح الدولة وَكَانَ جنَاح الدولة زوج أم رضوَان من أكبر القواد فَعَاد رضوَان إِلَى حلب وَسَار ياغي سِنَان إِلَى أنطاكية وَمَعَهُ أَبُو الْقسم الْخَوَارِزْمِيّ وَدخل حلب، وَأما دقاق فكاتبه ساوتكين الْخَادِم الْوَالِي بقلعة دمشق يستدعيه سرا ليملكه دمشق، فجد دقاق فِي السّير إِلَيْهِ سرا فملكه دمشق وَوصل إِلَيْهِ طغتكين فِي جمَاعَة من خَواص تتش كَانَ طغتكين مَعَ تتش فِي الْوَقْعَة وَأسر ثمَّ خلص فَأكْرمه دقاق لكَونه زوج أمه ثمَّ قتل دقاق وطغتكين ساوتكين الْخَادِم ثمَّ جَاءَهُم ياغي سِنَان من أنطاكية وَمَعَهُ أَبُو الْقَاسِم الْخَوَارِزْمِيّ فَجعله وزيراً لدقاق.
وفيهَا: توفّي الْمُعْتَمد بن عباد صَاحب أشبيلة وَغَيرهَا من الأندلس مسجوناً بأغمات دخل عَلَيْهِ فِي السجْن بنوه وَبنَاته يهنونه يَوْم عيد وعَلى بَنَاته أطمار كَأَنَّهَا كسوف وَهن أقمار وأقدامهن حافية وآثار نعمتهن عَافِيَة، فَقَالَ الْمُعْتَمد:
(فِيمَا مضى كنت بالأعياد مَسْرُورا ... فجاءك الْعِيد فِي أغمات مأسوراً)
(ترى بناتك فِي الأطمار جائعة ... يغزلن للنَّاس مَا يملكن قطميراً)
(يطأن فِي الطين والأقدام حافية ... كَأَنَّهَا لم تطَأ مسكاً وكافوراً)
(قد كَانَ دهرك إِن تَأمره ممتثلاً ... فردك الدَّهْر مَنْهِيّا ومأموراً)
(من بَات بعْدك فِي ملك يسر بِهِ ... فَإِنَّمَا بَات بالأحلام مغروراً)
وَللَّه قَول أبي بكر بن اللبانة يرثيه بقصيدة مِنْهَا:
(لكل شَيْء من الْأَشْيَاء مِيقَات ... وللمنى من مناياهن غايات)
(والدهر فِي صفة الحرباء منغمس ... ألوان حالاته فِيهَا استحالات)
(وَنحن من لعب الشطرنج فِي يَده ... وَرُبمَا قمرت بالبيدق الشَّاة)
(من كَانَ بَين الندى والبأس أنصله ... هندية وعطاياه هنيدات)
(رَمَاه من حَيْثُ لم تستره سابغة ... دهر مصيباته نبل مصيبات)
(لهفي على آل عباد فَإِنَّهُم ... أهلة مَا لَهَا فِي الْأُفق هالات)
(تمسكت بعرى اللَّذَّات ذاتهم ... يَا بئس مَا جنت اللَّذَّات والذات)