الْموصل وحصنها، وَكَاتب أهل الْموصل قليج أرسلان بن سُلَيْمَان بن قطلمش السلجوقي صَاحب بِلَاد الرّوم يستدعونه فقصد الْموصل فَلَمَّا وصل نَصِيبين رَحل جاولي عَن الْموصل خوفًا إِلَى الرحبة وتسلم قليج أرسلان الْموصل فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من رَجَب مِنْهَا، واستخلف ابْنه ملك شاه بهَا وعمره إِحْدَى عشرَة سنة، وَأقَام مَعَه مُدبرا، وَقصد جلولي وَكَانَ قد اجْتمع إِلَى جاولي رضوَان أَمِير حلب وَغَيره فَاقْتَتلُوا فِي عشرى ذِي الْقعدَة على الخابور وَقَاتل قليج أرسلان بِنَفسِهِ وَانْهَزَمَ عكسره فاضطر قليج أرسلان إِلَى الْهَرَب فَألْقى بِنَفسِهِ فِي الخابور فغرق وَظهر بعد أَيَّام فَدفن بالشمسانية من قرى الخابور، ثمَّ تسلم جاولي الْموصل بالأمان وَسَار ملك شاه بن قليج أرسلان إِلَى السُّلْطَان مُحَمَّد.
وفيهَا: حاصر السُّلْطَان مُحَمَّد قلعة الباطنية بِالْقربِ من أَصْبَهَان الَّتِي بناها ملك شاه بأشارة رَسُول الرّوم وَاسْمهَا شاه دز وَطَالَ الْحصار وَنزل بَعضهم بالأمان وَبَقِي صَاحبهَا أَحْمد بن عبد الْملك بن عطاش مَعَ جمَاعَة يسيرَة فزحف السُّلْطَان فَقتله وَقتل جمَاعَة من الباطنية وملكها وخربها.
وفيهَا: توفّي الْأَمِير سرخاب بن بدر بن مهلهل بن أبي الشول الْكرْدِي، وأمواله لَا تحصى، وَقَامَ ابْنه أَبُو مَنْصُور مقَامه، وَبقيت الْإِمَارَة فيهم مائَة وَثَلَاثِينَ سنة.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَخَمْسمِائة: فِيهَا فِي رَجَب " قتل سيف الدولة صَدَقَة " بن مَنْصُور بن دبيس بن مزِيد الْأَسدي أَمِير الْعَرَب فِي مقاتلته للسُّلْطَان مُحَمَّد وَحمل رَأسه إِلَى مُحَمَّد، وَعمر صَدَقَة تسع وَخَمْسُونَ، وإمارته إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة، وَقتل من أَصْحَابه فَوق ثَلَاثَة آلَاف، وَكَانَ متشيعاً وَهُوَ الَّذِي بنى الْحلَّة بالعراق، قَالَ الْمُؤلف رَحمَه الله: تقدم ذكر الْحلَّة قبل وجود صَدَقَة فَكيف يكون هُوَ الَّذِي بناها وَكَانَ قد اتَّسع جاهه واستجار بِهِ الْكِبَار. اجْتهد فِي نصح السُّلْطَان مُحَمَّد حَتَّى جاهر بركيا روق بالعداوة، ثمَّ فسد مَا بَينه وَبَين مُحَمَّد لحماية صَدَقَة كل من خَافَ من مُحَمَّد وَمِنْهُم أَبُو دلف سرخاب بن كيخسرو صَاحب ساوة استجار بِصَدقَة، وَطَلَبه مُحَمَّد فَلم يُسلمهُ إِلَيْهِ، فقاتله مُحَمَّد، فَقتل صَدَقَة وَأسر إبنه دبيس وسرخاب.
قلت: ولصدقة صنف الشريف أَبُو يعلى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الهبارية العباسي كتاب الصادح والباغم على صفة كليلة ودمنة ألفي بَيت وأرسله إِلَيْهِ مَعَ ابْنه فَأعْطَاهُ لكل بَيت دِينَارا، وَمِنْه:
(وَضعته مخترعا مَعْنَاهُ ... لملك مَا خَابَ من رجاه)
(بَحر الندا رب الأيادي والمنن ... شمس العلى صدر الْهدى أبي الْحسن)