خَالَته كليام وَجَمَاعَة من فرسانه الْمَشْهُورين وبذل فِي فدَاء نَفسه أَمْوَالًا كَثِيرَة فَلم يقبلهَا بلك وسجنهم خرت برت.
وفيهَا: تضعضع الرُّكْن الْيَمَانِيّ من الْبَيْت الْحَرَام شرفه الله تَعَالَى من زَلْزَلَة وانهدم بعضه فَأصْلح.
وفيهَا: توفّي أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الحريري، ولد سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة، إِمَام فِي النَّحْو واللغة وَله عدَّة مصنفات مِنْهَا المقامات طبقت الأَرْض شهرة أمره بتصنيفها أنوشروان بن خَالِد بن مُحَمَّد وَزِير السُّلْطَان مَحْمُود فَإِن الحريري عمل مقَامه على وضع البديع فَأمره أنوشروان بإتمامها وَكَانَ خصيصاً بِهِ قدم بَغْدَاد وَنزل الْحَرِيم وهجاه ابْن جكينا.
فَمن قَوْله فِيهِ: وَكَانَ الحريري ينتف لحيته عَبَثا وفكرة:
(شيخ لنا من ربيعَة الْفرس ... ينتف عثنونه من الهوس)
(أنطقه الله بالمشان كَمَا ... ألْجمهُ فِي الْحَرِيم بالخرس)
والحريري، بَصرِي المولد والمنشأ من بني ربيعَة الْفرس وَخلف ابْنَيْنِ الْوَاحِد عبد الله من رُوَاة المقامات وَالثَّانِي كَانَ متفقهاً.
قلت: وَقيل أَنه وضع المقامات لجلال الدّين أبي عَليّ الْحسن بن أبي الْعشْر بن صَدَقَة وَزِير الْخَلِيفَة المسترشد كَذَا وجد بِخَط الحريري فِي ظهر كتاب المقامات وَكَانَ الحريري من أهل الْيَسَار يُقَال أَنه كَانَ لَهُ ثَمَانِي عشرَة ألف نَخْلَة بمشان الْبَصْرَة وَأَصله مِنْهَا جَاءَهُ شخص يَأْخُذ عَنهُ شَيْئا فاستزرى شكل الحريري ففهم الحريري ذَلِك وَكَانَ دميماً فاستملاه فَقَالَ اكْتُبْ:
(مَا أَنْت أول سَار غره قمر ... ورائد أَعْجَبته خضرَة الدمن)
(فاختر لنَفسك غَيْرِي إِنَّنِي رجل ... مثل المعيدي فاسمع بِي وَلَا ترني)
فَخَجِلَ الرجل وَانْصَرف.
وللحريري تآليف حَسَنَة، مِنْهَا: درة الغواص فِي أَوْهَام الْخَواص، وديوان رسائل وَشعر كثير، والملحة، وَشرح الملحة، وَكنت قد التقطت من الملحة من بيُوت وشطور بيُوت مَا يُقَارب السّبْعين، وضمنتها على وَجه بديع، وسميتها " تحفة الأحباب من ملحة الْأَعْرَاب ".
فَمِنْهَا:
(يَا رسائلي عَن الْكَلَام المنتظم ... ذَاك كَلَام من هويت لَا عدم)
(فَكل مَا يَقُول فِيهِ العذل ... فَإِنَّهُ مُنكر يَا رجل)
(فِي صُدْغه لِلْحسنِ آيَات تخط ... وَقَالَ قوم أَنَّهَا اللَّام فَقَط)