دولة زنكي إِلَى سيف الدّين غَازِي بن زنكي يعلمونه بِالْحَال وَهُوَ بشهرزور، فَسَار وَملك الْموصل وبلادها، ثمَّ تحرّك ألب أرسلان فحبسه غَازِي بالموصل.
قلت: كَانَ أَبُو الْحُسَيْن بن مُنِير يعير ابْن القيسراني بِأَنَّهُ مَا صحب أحد إِلَّا نكب فغنى مغن عِنْد زنكي وَهُوَ على قلعة جعبر قَول الشَّاعِر:
(ويلي فِي المعرض الغضبان إِذْ نقل ... الواشي إِلَيْهِ حَدِيثا كُله زور)
(سلمت فازور يزوي قَوس حَاجِبه ... كأنني كأس خمر وَهُوَ مخمور)
فاستحسنها زنكي، وَسَأَلَ لمن هِيَ، فَقيل: لِابْنِ مُنِير، فَطلب من حلب، فليلة وصل ابْن مُنِير قتل زنكي، فَقَالَ ابْن القيسراني: هَذَا بِجَمِيعِ مَا كنت تبكتني بِهِ، وَالله أعلم.
وفيهَا: أرسل عبد الْمُؤمن بن عَليّ جَيْشًا فَملك من جَزِيرَة الأندلس مَا فِيهَا من بِلَاد الْمُسلمين.
وفيهَا: بعد قتل زنكي قصد صَاحب دمشق مجير الدّين أبق حصن بعلبك وحصره وَبِه نجم الدّين أَيُّوب بن ساري مستخفياً، فخاف أَن أَوْلَاد زنكي لَا يُمكنهُم سرعَة إنجاده، فَسلم القلعة إِلَيْهِ على أقطاع وَمَال وقرى، وانتقل أَيُّوب فسكن دمشق.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا دخل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي صَاحب حلب بِلَاد الفرنج فَفتح مِنْهَا ارْتَاحَ بِالسَّيْفِ وحصن ماموله وكفرفوث وكفرلاثا.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا جهز رجاز الفرنجي صَاحب صقلية مِائَتَيْنِ وَخمسين شينياً رجَالًا وسلاحاً مقدمهم جرجي فأشرفوا على المهدية وَبهَا الْحسن بن عَليّ بن يحيى بن تَمِيم بن الْمعز باديس صَاحب إفريقية، وَكَانَ الغلاء عَظِيما، وَقد أكل بعض النَّاس بَعْضًا من سنة سبع وَثَلَاثِينَ، فاتفق الْحسن بن عَليّ وأكابر الْبَلَد على أَن يرحلوا من المهدية بِمَا خف حمله وَالرِّيح يمْنَع الأسطول من الْوُصُول.
ثمَّ دخل الفرنج المهدية ثُلثي النَّهَار بِلَا مَانع وَلَيْسَ بهَا مِمَّن عزم على الْخُرُوج أحد، وَدخل جرجي قصر الْإِمَارَة فَوَجَدَهُ مَمْلُوء الخزائن ذخائر وغرائب وحظايا الْحسن بن عَليّ، وَسَار الْأَمِير حسن بأَهْله فَأَقَامَ عِنْد بعض أُمَرَاء الْعَرَب، كَانَ يحسن إِلَيْهِ وَخَافَ من الطَّرِيق فانقبض عَن الْمسير إِلَى الْخَلِيفَة بِمصْر، وَسَار إِلَى ملك بجاية يحيى بن الْعَزِيز فَوكل يحيى بِهِ وبأولاده من يمنعهُم من التَّصَرُّف وَلم يجْتَمع يحيى بهم وأنزلهم فِي جزائر بني مزغنان إِلَى أَن ملك عبد الْمُؤمن بجاية سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَجَمِيع ممالك بني حَمَّاد فَأحْسن إِلَى الْأَمِير حسن إِلَى أَن فتح المهدية فَأَقَامَ فِيهَا والياً من جِهَته وَأمره أَن يرجع إِلَى رأى الْأَمِير حسن، وَكَانَ عدَّة من ملك من بني باديس من أريزي إِلَى الْحسن تِسْعَة مُلُوك، ثمَّ بذل جرجي الْأمان لأهل المهدية فتراجعوا من شدَّة الْجُوع.
وفيهَا: سَار ملك الألمان من وَرَاء الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَحصر دمشق فِي جمع عَظِيم