للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْقَامَة عريض الصَّدْر واللحية طويلها أسمر مقرون الحاجبين حفياً ذَا صَوت جَهورِي، كَانَ يجلس لوعظه رجلَانِ وَثَلَاثَة، ثمَّ تسامعوا وازدحموا فَجَلَسَ فِي الْمصلى بِبَاب الحلبة ثمَّ ضَاقَ بهم الوسع فَحمل الْكُرْسِيّ إِلَى خَارج الْبَلَد وَجعل فِي الْمصلى وَجَاء النَّاس على الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير وَالْجمال يقفون بمدار الْمجْلس كالسور، وَكَانَ يحضر مَجْلِسه نَحْو من سبعين ألفا، وَأَن الْأَوْلِيَاء وَالْمَلَائِكَة ليزدحمون فِي مَجْلِسه، وَمن لَا يرى فِيهِ أَكثر مِمَّن يرى.

وَعَن الشَّيْخ أبي زَكَرِيَّا يحيى بن أبي نصر بن عمر الْبَغْدَادِيّ المشاه الصحراوي قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: استدعيت الجان مرّة بالعزائم وأبطأت عَليّ إجابتهم أَكثر من عادتي ثمَّ أَتَوْنِي وَقَالُوا لي: لَا تعد تستدعينا إِذا كَانَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر يتَكَلَّم على النَّاس، فَقلت: وَلم؟ قَالُوا بالحضرة، قلت وَأَنْتُم أَيْضا؟ قَالُوا: إِن ازدحامنا بمجلسه أَشد من ازدحام الْإِنْس، وَإِن منا طوائف كَثِيرَة أسلمت وتابت على يَدَيْهِ.

وَعَن أبي الْبَقَاء عبد الله بن الْحُسَيْن الْحَنْبَلِيّ العكبري قَالَ: سَمِعت يحيى بن نجاح الأديب يَقُول: قلت فِي نَفسِي أُرِيد أحصي كم يقص الشَّيْخ عبد الْقَادِر شعرًا من الثَّوَاب فِي مجْلِس وعظه، فَحَضَرت الْمجْلس وَمَعِي خيط فَكلما قصّ شعرًا عقدت عقدَة تَحت ثِيَابِي فِي الْخَيط وَأَنا فِي آخر النَّاس وَإِذا بِهِ يَقُول: أَنا أحل وَأَنت تعقد.

وَعَن الْخضر الْحُسَيْنِي الْموصِلِي أَن الشَّيْخ كَانَ يتَكَلَّم فِي أول مَجْلِسه بأنواع الْعُلُوم وَكَانَ إِذا صعد الْكُرْسِيّ لَا يبصق أحد وَلَا يتمخط وَلَا يَتَنَحْنَح وَلَا يتَكَلَّم وَلَا يقوم هَيْبَة لَهُ إِلَى وسط الْمجْلس فَيَقُول الشَّيْخ مضى القال وعطفاً بِالْحَال فيضطرب النَّاس اضطراباً شَدِيدا ويتداخلهم الْحَال والوجد، وَكَانَ يعد من كراماته أَن أقْصَى النَّاس فِي مَجْلِسه يسمع صَوته كَمَا يسمعهُ أَدْنَاهُم مِنْهُ على كثرتهم، وَكَانَ يتَكَلَّم على خواطر أهل الْمجْلس ويواجههم بالكشف.

وَكَانَ النَّاس يضعون أَيْديهم فِي مَجْلِسه فَتَقَع على رجال بَينهم يدركونهم باللمس وَلَا يرونهم ويسمعون وَقت كَلَامه فِي الفضاء حسا وصياحاً، وَرُبمَا سمعُوا وجبة سَاقِطَة من الجو إِلَى أَرض الْمجْلس وَذَلِكَ رجال الْغَيْب وَغَيرهم.

وَعَن الْحَافِظ أبي زرْعَة طَاهِر بن مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي الرَّازِيّ قَالَ: حضرت مجْلِس الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلي بِبَغْدَاد سنة سبع وَخمسين وَخَمْسمِائة فَسَمعته يَقُول: إِنَّمَا كَلَامي على رجال يحْضرُون مجلسي من وَرَاء جبل قَاف أَقْدَامهم فِي الْهَوَاء وَقُلُوبهمْ فِي حَضْرَة الْقُدس، تكَاد قلانسهم وطواقيهم تحترق من شدَّة شوقهم إِلَى رَبهم عز وَجل، وَكَانَ ابْنه عبد الرَّزَّاق إِذْ ذَاك جَالِسا على الْمِنْبَر تَحت رجل أَبِيه فَرفع رَأسه إِلَى الْهَوَاء فشخص سَاعَة ثمَّ غشى عَلَيْهِ واحترقت طاقيته وزيقه فَنزل الشَّيْخ وأطفأها، وَقَالَ: وَأَنت أَيْضا يَا عبد الرَّزَّاق مِنْهُم، وَقَالَ: فَسَأَلت عبد الرَّزَّاق مَا أغشاه؟ فَقَالَ: لما نظرت إِلَى الْهَوَاء رَأَيْت

<<  <  ج: ص:  >  >>