لَو جَاءَنِي من عنْدك إِنْسَان وَاحِد وربط المنديل فِي عنقِي وجرني إِلَيْك سارعت إِلَى ذَلِك وانفضوا، ثمَّ خلا أَيُّوب بِأَبِيهِ وَقَالَ: لَو قصدنا نور الدّين أَنا كنت أول من يمنعهُ ويقاتله، وَلَكِن إِذا أظهرنَا ذَلِك يتْرك نور الدّين جَمِيع مَا هُوَ فِيهِ ويقصدنا وَلَا نَدْرِي مَا يكون من ذَلِك، وَإِذا أظهرنَا لَهُ الطَّاعَة تَمَادى الْوَقْت بِمَا يحصل بِهِ الْكِفَايَة من عِنْد الله فَكَانَ كَمَا قَالَ.
وفيهَا: توفّي الْأَمِير مُحَمَّد بن مردبيس صَاحب شَرْقي الأندلس: مرسيه وبلنسيه وَغَيرهمَا، فَسلم أَوْلَاده بِلَاده ليوسف بن عبد الْمُؤمن فسر بذلك وَتزَوج أختهم وأجزل لَهُم وَكَانَ قد قصدهم فِي مائَة ألف فكفي الْقِتَال.
وفيهَا: عبر الخطا نهر جيحون، فَسَار خوارزم شاه أرسلان بن أتسز بن مُحَمَّد بن أنوشتكين إِلَى لِقَائِه، فَرجع خوارزم شاه لمرضه، وَأرْسل عسكراً فَقَاتلُوا الخطا فَانْهَزَمَ عَسْكَر خوارزم شاه وَأسر مقدمهم وَرجع الخطا إِلَى بِلَادهمْ.
وفيهَا: اتخذ نور الدّين الْحمام الهوادي المناسيب لتصل الْأَخْبَار إِلَيْهِ فِي يَوْمه.
وفيهَا: عزل المستضئ وزيره عضد الدولة ابْن رَئِيس الرؤوساء مكْرها من جِهَة قيماز.
وفيهَا: مَاتَ يحيى بن سعدون الْأَزْدِيّ الأندلسي الْقُرْطُبِيّ إِمَام فِي الْقِرَاءَة والنحو وَغَيره بالموصل.
وفيهَا: توفّي أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن أَحْمد بن أَحْمد بن الخشاب الْبَغْدَادِيّ، تضلع من الْأَدَب والنحو وَالتَّفْسِير والْحَدِيث قَلِيل الاكتراث بالمأكل والملبس.
وفيهَا: توفّي نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن عَليّ بن عبد النُّور ابْن قلاقس الشَّاعِر الإسكندري فِي مدح القَاضِي الْفَاضِل وَفِي كَثْرَة أَسْفَاره يَقُول:
(وَالنَّاس كثر وَلَكِن لَا يقدر لي ... الْأَمر افقة الملاح وَالْحَادِي)
قلت: وَمَا أحسن قَول ابْن عنين فِي كَثْرَة أَسْفَاره فِي الْمشرق:
(أشقق قلب الشرق حَتَّى كأنني ... أفتش فِي سودائه عَن سنا الْفجْر)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا توفّي خوارزم شاه أرسلان بن أتسز بن مُحَمَّد أنوشتكين، وَقد عَاد من قتال الخطا مَرِيضا.
وَملك بعده ابْنه الصَّغِير سُلْطَان شاه مَحْمُود بتدبير والدته، وَلما بلغ ابْنه الْكَبِير عَلَاء الدّين تكش وَهُوَ مُقيم فِي اقطاعه خبر ذَلِك استنجد بالخطا وطرد سُلْطَان شاه، واستنجد سُلْطَان شاه بملوك الْأَطْرَاف، وطرد تكش، وَكَانَ الْحَرْب بَينهم سجالا حَتَّى مَاتَ سُلْطَان شاه سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة، وَاسْتقر تكش فِي ملك خوارزم.