وَكَانَ الفرنج قد عمِلُوا فِي غربي الْمَسْجِد الْأَقْصَى هرياً ومستراحاً فأزيل ذَلِك وأعيد إِلَى التبجيل والتعظيم.
وَكَانَ السُّلْطَان نور الدّين مَحْمُود قد عمل منبراً بحلب وتعب عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا لأجل الْقُدس فأحضر السُّلْطَان الْمِنْبَر للجامع الْأَقْصَى، وَأقَام بعد فَتحه بِظَاهِرِهِ إِلَى الْخَامِس وَالْعِشْرين من شعْبَان ورتب أَحْوَاله وَتقدم بِعَمَل الرَّبْط والمدارس الشَّافِعِيَّة.
قلت: وَصليت فِيهِ الْجُمُعَة يَوْم فَتحه، وخطب يَوْمئِذٍ بِالنَّاسِ القَاضِي محيي الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى بن عَليّ بن عبد الْعَزِيز عَليّ بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن عبد الْعَزِيز بن أبان بن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنْهُم الْقرشِي الْمَعْرُوف بِابْن الزكي قَاضِي دمشق، خطب بِالْخطْبَةِ البديعة من تصنيفه الْمَعْرُوفَة بالقدسية.
وَكتب لَهُ القَاضِي الْفَاضِل إِلَى الإِمَام النَّاصِر لدين الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن المستضيء رِسَالَة تَتَضَمَّن الْفتُوح طَوِيلَة.
مِنْهَا: وَقد صَارَت أُمُور الْإِسْلَام إِلَى أحسن مصائرها، وأسست عقائد أَهله على أحسن بصائرها، وتقلص ظلّ الْكَافِر الْمَبْسُوط وَصدق الله أهل دينه، فَلَمَّا وَقع الشَّرْط وَقع الْمَشْرُوط وَكَانَ الدّين غَرِيبا فَهُوَ الْآن فِي وَطنه، والفوز معروضاً، فقد بذلت الْأَنْفس فِي ثمنه، واسترد الْمُسلمُونَ تراثاً كَانَ عَنْهُم آبقاً وظفروا يقظة بِمَا لم يصدقُوا أَنهم يظفرون بِهِ طبقًا على النأي طَارِقًا واستقرت على الْأَعْلَى أَقْدَامهم، وخفقت على الْأَقْصَى أعلامهم وتلاقت على الصَّخْرَة قبلهم وشفيت بهَا وَإِن كَانَت صَخْرَة كَمَا يشفى بِالْمَاءِ غليلهم.
وَلما قدم الدّين عَلَيْهَا عرف سويداء قلبه، وهنى كفؤها الْحجر الْأسود بَيت عصمتها من الْكَافِر بحزبه.