وَفِي صحبته ابْنه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن المظفر فَعرض للمظفر مرض وتزايد حَتَّى توفّي يَوْم الْجُمُعَة لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من رَمَضَان مِنْهَا فأخفى الْمَنْصُور وَفَاته وَوصل بِهِ حماه وَدَفنه بظاهرها، وَبنى إِلَى جَانب تربته مدرسة مَشْهُورَة.
وَكَانَ للمظفر بَأْس وأدب وَشعر حسن، وَتُوفِّي لَيْلَة وَفَاته حسام الدّين مُحَمَّد بن لاجين، وَأمه سِتّ الشَّام بنت أَيُّوب أُخْت السُّلْطَان.
ثمَّ قرر السُّلْطَان للمنصور حماه وسلمية والمعرة ومنبج وقلعة نجم، وأقطع الْبِلَاد الشرقية لِأَخِيهِ الْعَادِل، وَنزل الْعَادِل عَن إقطاعه بِالشَّام خلا الكرك والشوبك والصلت والبلقا وَنصف خاصه بِمصْر، وَالْتزم كل سنة ألف غرارة من الصَّلْت والبلقا للقدس.
وفيهَا: فِي شعْبَان قتل عُثْمَان قزل أرسلان بن إيلدكز، وَكَانَ قد تغلب واعتقل السُّلْطَان طغرل بك بن أرسلان، ثمَّ تعصب على الشَّافِعِيَّة بأصبهان وصلب من أعيانهم جمَاعَة، وَعَاد إِلَى هَمدَان، وخطب لنَفسِهِ فَقتله على فرَاشه من لم يعرف.
وفيهَا: قدم معز الدّين قَيْصر شاه بن قلج أرسلان صَاحب الرّوم إِلَى صَلَاح الدّين، وَسَببه أَن أَبَاهُ فرق مَمْلَكَته على أَوْلَاده وَأعْطى ابْنه هَذَا ملطية فألزم بعض إخْوَته أَبَاهُ باسترجاع ملطية فخاف من ذَلِك والتجأ إِلَى السُّلْطَان فَأكْرمه وزوجه بنت أَخِيه الْعَادِل وَعَاد معز الدّين إِلَى ملطية فَتمكن.
وفيهَا: قتل أَبُو الْفَتْح يحيى بن حَنش بن أميرك شهَاب الدّين السهروردي الفيلسوف بقلعة حلب، أَمر بخنقه الظَّاهِر غَازِي بِأَمْر وَالِده، قَرَأَ الأصولين وَالْحكمَة على مجد الدّين الجيلي شيخ الإِمَام فَخر الدّين.
وَكَانَ علمه أَكثر من عقله، فَأفْتى بِإِبَاحَة دَمه لسوء مذْهبه، وشدد عَلَيْهِ زين الدّين ومجد الدّين ابْنا جهبل.
قَالَ السَّيِّد الْآمِدِيّ: قَالَ لي السهروري: لَا بُد أَن أملك الأَرْض رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأبي شربت مَاء الْبَحْر فَقلت: لَعَلَّه اشتهار علمك.
وعاش ثمانياً وَثَلَاثِينَ سنة، وَله فِي الْحِكْمَة التلويحات والتنقيحات والمشارع والمطارحات والهياكل وَحِكْمَة الْإِشْرَاق، وَنسب إِلَى السيمياء.
وَمن شعره:
(أبدا تحن إِلَيْكُم الْأَرْوَاح ... ووصالكم ريحانها والراح)
(وَقُلُوب أهل ودادكم تشتاقكم ... وَإِلَى لذيذ لقائكم ترتاح)
(وارحمتنا للعاشقين تكلفوا ... ستر الْمحبَّة والهوى فضاح)
(وَإِذا هم كتموا تحدث عَنْهُم ... عِنْد الوشاة المدمع السحاح)
(لَا ذَنْب للعشاق إِن غلب الْهوى ... كتمانهم فنما الغرام وباحوا)