وَكَانَ طَاهِر الْمجْلس طَاهِر اللِّسَان، وَقَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب: مَاتَ بِمَوْت الرِّجَال وَفَاتَ بفواته الأفضال، وغاضت الأيادي، وفاضت الأعادي وانقطعت الأرزاق وادلهمت الْآفَاق وفجع الزَّمَان بواحده وسلطانه، ورزء الْإِسْلَام بمشيد أَرْكَانه وَاسْتقر فِي ملك دمشق ومضافاتها ابْنه الْأَفْضَل نور الدّين عَليّ، وبمصر الْملك الْعَزِيز عماد الدّين عُثْمَان، وبحلب الْملك الظَّاهِر غَازِي، وبالكرك والشوبك والبلاد الشرقية الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَبُو بكر بن أَيُّوب، وبحماه والمعرة وسلمية ومنبج وقلعة نجم الْملك الْمَنْصُور نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المظفر تَقِيّ الدّين عمر، وببعلبك الأمجد مجد الدّين بهْرَام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب، وبحمص والرحبة وتدمر شيركوه بن مُحَمَّد بن شيركوه بن شادي، وببصرى الْملك الظافر بن صَلَاح الدّين وَهُوَ فِي خدمَة أَخِيه الْأَفْضَل.
وَأما أُمَرَاء الدولة فشيزر وَأَبُو قبيس بيد سَابق الدّين عُثْمَان بن الداية، وصهيون وبرزبه بيد نَاصِر الدّين منكورس بن حمَار تكين، وتل بَاشر بيد بدر الدّين دلدرم بن بهاء الدّين ياروق، وعجلون وكوكب بيد عز الدّين أُسَامَة، بارين وكفرطاب وأفامية بيد عز الدّين إِبْرَاهِيم بن شمس الدّين الْمُقدم.
وَالْأَفْضَل هُوَ أكبر أَوْلَاد السُّلْطَان وَهُوَ الْمَعْهُود إِلَيْهِ بالسلطنة، واستوزر ضِيَاء الدّين نصر الله بن مُحَمَّد بن الْأَثِير مُصَنف الْمثل السائر، وَهُوَ أَخُو عز الدّين بن الْأَثِير مؤلف الْكَامِل فِي التَّارِيخ فَحسن للأفضل طرد أُمَرَاء أَبِيه ففارقوه إِلَى أَخَوَيْهِ الْعَزِيز، وَالظَّاهِر قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب: وَتفرد الْوَزير بوزره، وَمد الْجَزرِي فِي جزره، وَحسنت الْأُمَرَاء للعزيز. الِانْفِرَاد بالسلطنة، ووقعوا فِي أَخِيه الْأَفْضَل، فَمَال إِلَى ذَلِك، وحصلت الوحشة بَين الْأَخَوَيْنِ.
وفيهَا: بعد موت السُّلْطَان قدم الْعَادِل من الكرك وَأقَام بِدِمَشْق وَظِيفَة العزاء على أَخِيه ثمَّ توجه إِلَى بِلَاده الَّتِي وَرَاء الْفُرَات.
وفيهَا: بعد موت السُّلْطَان كَاتب مَسْعُود بن مودود بن زنكي بن أقسنقر صَاحب الْموصل جِيرَانه الْمُلُوك يستنجدهم، وَاتفقَ مَعَ أَخِيه زنكي صَاحب سنجار وَسَار إِلَى جِهَة حران وَغَيرهَا فَلحقه إسهال فَترك الْعَسْكَر مَعَ أَخِيه زنكي وَعَاد إِلَى الْموصل وَصَحبه قيماز فخلف مَسْعُود الْعَسْكَر لِابْنِهِ أرسلان شاه، وَزَاد بِهِ الْمَرَض فَتوفي فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من شعْبَان من هَذِه السّنة، فَبين وَفَاته ووفاة السُّلْطَان نصف سنة، وَمُدَّة ملكه الْموصل ثَلَاث عشرَة سنة وَنصفا.
وَكَانَ خيرا محسناً أسمر مليح الْوَجْه خَفِيف العارضين يشبه جده عماد الدّين زنكي وَاسْتقر ابْنه فِي ملك الْموصل بتدبير قيماز.