فَكتب الإِمَام النَّاصِر جَوَابه:
(وافى كتابك يَا ابْن يُوسُف مُعْلنا ... بِالصّدقِ يخبر أَن أصلك طَاهِر)
(فاصبر فَإِن غَدا عَلَيْهِ حسابهم ... وَابْشَرْ فناصرك الإِمَام النَّاصِر)
قلت: وفيهَا توفّي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحِيم المغربي بقنا من صَعِيد مصر، وَله كرامات خارقة، وأنفاس صَادِقَة، أطنب صَاحب بهجة الْأَسْرَار فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ نفعنا الله بِهِ وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا توفّي ملكشاه بن تكش بنيسابور؛ جعل أَبوهُ لَهُ الحكم فِي تِلْكَ الْبِلَاد، وولاه عَهده، وَخلف ملكشاه ابْنا اسْمه هندوخان فَجعل تكش فِيهَا عوضه ابْنه الآخر قطب الدّين مُحَمَّد وَهُوَ الَّذِي ملك بعد أَبِيه، وَغير لقبه إِلَى عَلَاء الدّين، وَكَانَ بَين ملك شاه وَمُحَمّد عَدَاوَة مستحكمة.
وفيهَا: توفّي سيف الْإِسْلَام ظهير الدّين طغتكين بن أَيُّوب صَاحب الْيمن فَحَضَرَ ابْنه الْملك الْمعز إِسْمَاعِيل من السرين فَملك بِلَاده. وَكَانَ سيف الْإِسْلَام يضيق على التُّجَّار بِالْبيعِ وَالشِّرَاء حَتَّى جمع مَا لَا يُحْصى.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا توفّي زنكي بن مودود بن زنكي بن أقسنقر صَاحب سنجار والرقة والخابور، كَانَ يحب التَّوَاضُع وَالْعدْل وَالْعلم، وَعِنْده شح، وَملك بعد ابْنه قطب الدّين مُحَمَّد وَدبره مُجَاهِد الدّين برنقش مَمْلُوك أَبِيه.
وفيهَا: استولى نور الدّين أرسلان شاه بن مَسْعُود بن مودود بن زنكي صَاحب الْموصل على نَصِيبين من ابْن عَمه قطب الدّين مُحَمَّد بن زنكي فاستنجد مُحَمَّد بالعادل، فَسَار الْعَادِل إِلَى الجزيرة، فَعَاد أرسلان شاه عَن نَصِيبين إِلَى الْموصل فتسلم قطب الدّين مُحَمَّد نَصِيبين.
وفيهَا: حاصر خوارزم شاه تكش بخارا وملكها من الخطا، وَكَانَ أَعور فَأخذ أهل بخاراً كَلْبا أَعور فِي مُدَّة الْحصار وألبسوه قبَاء وَقَالُوا للخوارزمية: هَذَا سلطانكم. ورموه بالمنجنيق إِلَيْهِم فَلم يؤاخذهم بذلك.
وفيهَا: استولى الفرنج على قلعة بيروت فَنزل الْعَادِل تل العجول وأتته نجدة مصر وسنقر الْكَبِير صَاحب الْقُدس وَمَيْمُون القصري صَاحب نابلس، فَملك الْعَادِل يافا بِالسَّيْفِ، وَقتل الْمُقَاتلَة، وَهَذَا ثَالِث فتح لَهَا ونازلت الفرنج تبنين فَأرْسل الْعَادِل إِلَى الْعَزِيز صَاحب مصر فجَاء بِنَفسِهِ وبباقي عسكره، وَاجْتمعَ بالعادل على تبنين فَرَجَعت الفرنج إِلَى صور خائبين.
ثمَّ عَاد الْعَزِيز إِلَى مصر وَترك غَالب الْعَسْكَر مَعَ عَمه، وَجعل إِلَيْهِ الْحَرْب وَالصُّلْح، ومده فِي هَذِه الْمدَّة سنقر الْكَبِير، فَجعل الْعَزِيز أَمر الْقُدس إِلَى صارم الدّين قتلغ مَمْلُوك