ثمَّ دخلت سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة: فِيهَا عاود التتر بِلَاد جلال الدّين خوارزم شاه وَجَرت بَينهم حروب ظفر التتر فِي أَكْثَرهَا.
وفيهَا: قدم الإمبراطور فردريك إِلَى عكا بجموعه أرسل الْكَامِل فَخر الدّين بن الشَّيْخ يستدعيه إِلَى الشَّام بِسَبَب أَخِيه الْمُعظم فوصل وَقد مَاتَ الْمُعظم فنشب بِهِ الْكَامِل، وَاسْتولى على صيدا وَكَانَت مُنَاصَفَة، وَعمر سورها الخراب وَمعنى الإمبراطور بالفرنجية ملك الْأُمَرَاء
وَكَانَ صَاحب جَزِيرَة صقلية وَمن الْبر الطَّوِيل بِلَاد انبولية والأنبردية، وَكَانَ إفرنجياً فَاضلا محباً للحكمة والمنطق مائلاً إِلَى الْمُسلمين لِأَن منشأه بِجَزِيرَة صقلية وغالبها مُسلمُونَ.
وجاءه القَاضِي جمال الدّين بن وَاصل رَسُولا من الْملك الظَّاهِر بيبرس وَرَأى تِلْكَ الْبِلَاد، وَمَا زَالَت الرُّسُل بَين الْكَامِل والإمبراطور حَتَّى خرجت السّنة.
وفيهَا: بعد فرَاغ جلال الدّين من التتر نهب بِلَاد خلاط وَقتل وَخرب.
وفيهَا: خَافَ غياث الدّين تير شاه أَخَاهُ جلال الدّين ففارقه إِلَى الإسماعيلية.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة: فِيهَا بلغ النَّاصِر دَاوُد وَهُوَ مُقيم بنابلس اتِّفَاق أَخَوَيْهِ الْكَامِل والأشرف على أَخذ دمشق مِنْهُ، وَكَانَ قد أخرجه الْأَشْرَف إِلَى نابلس ليشفع فِيهِ عِنْد الْكَامِل، فَرَحل النَّاصِر دَاوُد إِلَى دمشق وَكَانَ قد لحقه عَمه الْأَشْرَف بالغور ووصاه بِطَاعَة الْكَامِل فَلم يلْتَفت النَّاصِر دَاوُد إِلَى ذَلِك، وَسَار الْأَشْرَف فِي أَثَره وحصره بِدِمَشْق والكامل مشتغل بمراسلة الإمبراطور، وَلما لم يجد الْكَامِل بدا من المهادنة سلم الْقُدس إِلَى الإمبراطور على أَن يسْتَمر سوره خراباً، وَلَا يتَعَرَّض إِلَى قبَّة الصَّخْرَة وَلَا الْجَامِع الْأَقْصَى وَيكون الْحَاكِم فِي الرساتيق إِلَى وَالِي الْمُسلمين، وَتَكون لَهُم الْقرى على الطَّرِيق من عكا إِلَى الْقُدس فَقَط.
فَأخذ النَّاصِر دَاوُد وَهُوَ بِدِمَشْق محصوراً فِي التشنيع على عَمه بذلك وَكَانَ بِدِمَشْق شمس الدّين يُوسُف سبط أبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ، وَكَانَ واعظاً وَله قبُول فَأمره النَّاصِر فَعمل مجْلِس وعظ ذكر فِيهِ فضل بَيت الْمُقَدّس ومصيبة الْمُسلمين بِتَسْلِيمِهِ إِلَى الفرنج.
وَأنْشد قصيدة دعبل الْخُزَاعِيّ مِنْهَا:
(مدارس آيَات خلت من تِلَاوَة ... ومنزل وَحي مقفر العرصات)
فارتفع بكاء النَّاس وضجيجهم، وَسلم الْكَامِل الْقُدس إِلَى الفرنج وَسَار إِلَى دمشق يحاصر ابْن أَخِيه فِي جُمَادَى الأولى مِنْهَا، وَاشْتَدَّ الْحصار على دمشق وَوصل رَسُول الْملك الْعَزِيز صَاحب حلب يخْطب بنت الْكَامِل فَزَوجهُ ابْنَته فَاطِمَة خاتون من السَّوْدَاء أم وَلَده أبي بكر الْعَادِل بن الْكَامِل.