(وَإِن لَاحَ فِي القرطاس أسود خطه ... يَقُول الدجى يَا صبح لونك حَائِل)
(لأقلامك السمر العوالي تواضعت ... وهابتك فِي أغمادهن المناصل)
(نزلتم على الْحصن المنيع جنابه ... فَلَيْسَ يُبَالِي من يغول الغوائل)
(نصبتم عَلَيْهِ للحصار حبائلا ... كَمَا نصبت للفرقدين الحبائل)
(وزلزلتموه خيفة ومهابة ... فأثقل رضوى دون مَا هُوَ حَامِل)
(أَلا أَن جَيْشًا للنقير فاتحاً ... لآت بِمَا لم تستطعه الْأَوَائِل)
(فكم أنْشد التكفور يَا حصن لَا تبل ... وَلَو نظرت شرراً إِلَيْك الْقَبَائِل)
(فَقَالَ لَهُ اسْكُتْ مَا رَأَيْت الَّذِي أرى ... وأيسر هجري أنني عَنْك راحل)
(فَأصْبح من جور الْحَصَا كَأَنَّهُ ... أَخُو سقطة أَو ضالع مُتَحَامِل)
(رميتم حجار المنجنيق عَلَيْهِم ... ففاخرت الشهب الْحَصَا والجنادل)
(حِجَارَة سجيل لَهَا الْبَدْر خَائِف ... على نَفسه والنجم فِي الغرب مائل)
(وعدتم وللفتح الْمُبين تباشر ... وَقد حطمت فِي الدراعين العوامل)
(وفل قتال الْمُشْركين سُيُوفكُمْ ... فَمَا السَّيْف إِلَّا غمده والحمائل)
وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي علم الدّين قَيْصر بن أبي الْقَاسِم بن عبد الْغَنِيّ بن مُسَافر الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْمقري الْمَعْرُوف بتعاسيف إِمَام فِي الرياضيات، اشْتغل بِمصْر وَالشَّام، ثمَّ بالموصل على الشَّيْخ كَمَال الدّين مُوسَى بن يُونُس وَقَرَأَ عَلَيْهِ الموسيقى ثمَّ عَاد وَتُوفِّي بِدِمَشْق فِي رَجَب، ومولده سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة بأصفون من شَرْقي صَعِيد مصر.
قلت: وفيهَا توفّي الشَّيْخ تَاج الدّين جَعْفَر بن مَحْمُود بن سيف الْحلَبِي الْمَعْرُوف بالسراج صَاحب الكرامات الخارقة والأنفاس الصادقة فِي الْعشْر الآخر من شعْبَان بحلب وَدفن بمقابر الصَّالِحين وقبر الشَّيْخ أبي الْمَعَالِي الْحداد وَالشَّيْخ جَعْفَر الْمَذْكُور وَالشَّيْخ أبي الْحُسَيْن النوري متقاربات ظَاهِرَة تزار، صحب الشَّيْخ جَعْفَر الْمَذْكُور الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي.
وروى عَنهُ عوارف المعارف، وَتخرج بِهِ خلق من أَعْيَان الصلحاء مثل الشَّيْخ مهنى بن كَوْكَب الفوعي، وَمثل شَيخنَا عَيْش بن عِيسَى بن عَليّ السرجاوي وَغَيرهم، وربى المريدين على عَادَة الصُّوفِيَّة.
وَكَانَ يكاشفهم بالأحوال فِي خلواتهم، وَيحل مَا أشكل عَلَيْهِم، وَرجع بِسَبَبِهِ خلق كثير إِلَى الله فِي جبل السماق وبلد سرمين وَالْبَاب وبزاعة وحلب وَغَيرهَا، وَقرب الْعَهْد بِهِ وبمن لَقينَا من أَصْحَابه، وشهرة كراماته عِنْدهم تغني عَن ذكرهَا، وَكَانَ لَهُ رَحْمَة الله عَلَيْهِ مريدون أعزة عَلَيْهِ بالبارة، فَكَانَ إِذا رأى البارة من بعيد ينشد:
(وأحبها وَأحب منزلهَا الَّذِي ... نزلت بِهِ وَأحب أهل الْمنزل)